بحسابات أن غزة تحملت العدوان الإسرائيلى الغاشم عليها، وأن المقاومة أطلقت عدة صواريخ على إسرائيل، يمكن تقدير وجهة النظر التى ترى أنها خرجت منتصرة من هذه الجولة فى مواجهة إسرائيل.
وبحسابات أن إسرائيل حصلت على تعهدات للتهدئة، بعدم شن عمليات ضدها من غزة، يمكن النظر بتأمل إلى أنها حققت عددا من أهدافها، وستجنى مكاسبه على المدى الطويل.
الأهداف التى حصلت عليها إسرائيل متعددة، وأبرزها أنها أعادت مصر إلى وضع اللاعب الرئيسى بين الطرفين، ليس بحسابات مغايرة، وإنما بنفس الحسابات التى كانت تحدث فى الماضى، ولعل ذلك يفسره ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن بنيامين نيتياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى رفض مبادرة وزير الخارجية الفرنسية بوقف العمليات الإسرائيلية ضد غزة، حتى يعطى مصر فرصة هذه المبادرة.
كانت إسرائيل تتعامل مع مبارك ونظامه على أنه كنز استراتيجى لإسرائيل، وأعطى مبارك إسرائيل جوائز كبيرة، من خلال مبدأ كان يردده علنا، وهو أن مصر طرف محايد فى القضية الفلسطينية، أى أنها حين تجلس على مائدة أى مفاوضات بين الطرفين، تضع الفلسطينيين أصحاب القضية على قدر المساواة مع الاحتلال الإسرائيلى، وأدى ذلك بالقاهرة أن تغلق أبوابها أمام أى فصيل فلسطينى مقاوم وحماس فى المقدمة، وفتحها أمام الذين يتمسكون بالمفاوضات فقط وإلى ما لا نهاية، وفى مقدمتهم السلطة الفلسطينية.
حصدت القضية الفلسطينية أعظم خسائرها، بفضل نهج نظام مبارك، فأصبحنا أمام «حماس» التى تدير قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية التى تمارس طقوسها فى رام الله، وفى المكانين رأينا أسوأ فصل فى تاريخ النضال الفلسطينى وهو الانقسام.
على هذه الأرضية دارت الحرب على غزة فى عام 2008، ودارت فى الأيام الماضية، وفى المرتين كانت الأنظار تتجه إلى مصر ودورها فى التهدئة الوقتية ثم هدنة بين الطرفين.
الذين يتحدثون عن أن «مصر الآن» غير «مصر مبارك» عليهم أن يقيسوا الأمر بما سيحدث من دور جديد لمصر بعد الهدنة الحالية، فإن لم يحدث عمل جاد من أجل عودة الوحدة للصف الفلسطينى، وإن لم يكف الحديث عن تصغير القضية الفلسطينية باختصارها فى قضية غزة ستكون مصر كما كانت، ولهذا فإن الحديث عن خسائر إسرائيل فى حربها الغاشمة الأخيرة أراه مؤجلا إلى حين.