كنت مذهولاً أسمع كلمات الرئيس وهو يردد فى خطابه أمام شيعته الإخوان، «لن أظلم أحداً»، وكلما كررها يتأكد لدى أن الظلم واقع واقع لا محالة، ليس لتعمد الرئيس أن يشتط إلى الجور والتطرف، وإنما لتقهقره عامدا عن عقود طويلة من التجارب السياسية فى العالم، أفضت إلى أن أفضل نظام لإدارة البلاد والعباد يعتمد توزيع السلطات بين المؤسسات، على أن تراقب بعضها بعضا، فلماذا نهدر هذه السنوات الطويلة من التجارب التى دفعت الإنسانية ثمنا غالياً لها، من الدماء والحروب، ونعود إلى الحاكم الفرد المتسلط.
أول درجات الظلم التى وقع فيها الرئيس، أنه ظلم البلاد بأن أوقعها فى الفتنة والانقسام بقرارات، أجمع كثير من حكماء الأمة على ميلها إلى الاستبداد، كما أنه ظلم نفسه عندما انحدر درجات كثيرة عن كونه رئيس كل المصريين، الرئيس المنتخب، ليستقر عند درجة الرئيس المؤيد من جماعته، وشيعته الإخوان، وإلا لماذا ارتضى على نفسه أن يخطب فى سرادق أعد سلفا لظهوره، من قبل عناصر الإخوان، وأمام أناس هو أول من يعلم انتماءاتهم، وكيف يتم حشدهم بالأمر المباشر.
و قع الرئيس فى الظلم عندما صنف المواطنين إلى أخيار يؤيدونه، وأشرار يعارضونه، وينتسبون إلى النظام السابق، ويعقدون اجتماعات سرية لمناوئته، مستخفا بعددهم وقيمتهم وقدرتهم، وهو ما ثبت عكسه تماماً فى مظاهرات الجمعة الماضية فى ميدان التحرير والمحافظات.
لماذا لم يذهب الرئيس إلى معارضيه ليشرح لهم، أو يأخذ عنهم فى ميدان التحرير؟، ولماذا لم يعتبر الرئيس بالمواقف الغاضبة للشعب فى المحافظات المختلفة، والتى عبرت عن رأيها السلبى تجاه قراراته فوراً وبعفوية فيها من الوضوح مثلما فيها من الخطورة الكثير، إن لم يتراجع عنها.
لماذا لم يلتفت الرئيس إلى البلاغات التى بدأت تنهال على النائب العام المعين، باتهام رموز وطنية مثل محمد البرادعى وحمدين صباحى وحسام عيسى وحمدى الفخرانى بقلب نظام الحكم بعد قراراته الأخيرة؟ ولماذا لم يصدر أى تعقيب رئاسى ضد متظاهرى الإخوان الذين حاولوا اقتحام دار القضاء العالى، ومهاجمة العمومية الطارئة للقضاة؟ هذه الأفعال بلطجة أم تحركات ثورية يا سيادة الرئيس؟ ومن أفضى بنا إلى هذا الانقسام الحاد الذى قد يؤدى بنا إلى حرب أهلية؟