تحدثت هاتفياً مع أستاذنا د/ كمال أبوالمجد لأسلم عليه فقال لى: أنا الآن خارج مصر وعندما أعود سنتحادث.. ثم قال لى: هل تعلم مهنتى الجديدة التى أقدم نفسى بها الآن إلى الآخرين
قلت له: وما هى؟
قال: سيارة إطفاء.. أنا الآن سيارة إطفاء لتلك الحرائق التى تشتعل الآن بين كل الطوائف والأحزاب والقوى السياسية المصرية بطريقة فجة.. فأينما توجهت وجدت حريقاً يحتاج إلى إطفاء.
تفكرت فى حديثه ملياً.. غاب صوته عنى.. وتذكرت فقط حجم التمزق والعنف الذى حدث فى مصر فى الأسبوع الماضى وحده.. فتأملت ما حدث يوم الجمعة فى مسجد القائد إبراهيم فى مدينتى الحبيبة الإسكندرية.. حيث قامت مجموعة كبيرة من الشباب بالاشتباك مع المصلين بعد الانتهاء من الصلاة.. وكان هؤلاء الشباب مجهزاً بالطوب وكسر الرخام والشماريخ والمولوتوف.. مما حدا بالمصلين إلى الهرب فى كل اتجاه وقام بعض المصلين الشباب بمحاولة التصدى لهؤلاء المعتدين.
والغريب أن معظم المصلين يومها كانوا لا ينتمون لأى تيار دينى أو اتجاه سياسى.. حيث لم تكن هناك وقفات أو مظاهرات لأى فصيل إسلامى بعد الصلاة.
لقد سألت نفسى طويلاً: ما شأن بيوت الله بالصراع السياسى.. وما شأن المصلين المسالمين بالصراع السياسى بين الأحزاب المختلفة التى تتصارع على السلطة.. وما ذنب المصلين حتى يقوم هؤلاء بضربهم.. ولماذا اللجوء إلى العنف بعد أن علمتنا ثورة 25 يناير أن السلمية واللاعنف هما أقوى سلاح لتحقيق المطالب المشروعة.. إن لم نكن تعلمناه من ديننا.
وهل هناك شرع أو منطق أو عقل يبيح الاعتداء على مقرات الحرية والعدالة.. أو غيرها من الأماكن؟.. حيث ترك هؤلاء المسجد ثم ذهبوا إلى مقرات الحرية والعدالة يحطمونها ويحاولون حرقها.
ثم تفكرت فى هؤلاء الذين اعتدوا على أبناء وأسرة د/ عمر عند السفارة الأمريكية.. حيث مر عليهم قرابة عام فى هذا المكان شهد لهم الجميع بحسن الخلق وكرم التعامل مع الجميع فلم يقطعوا طريقاً ولم يلقوا حجراً ولم يصطدموا مع أى شرطى مصرى أو من حرس السفارة.. حتى شهد لهم الجميع بالتحضر والرقى فى إيصال رسالتهم السامية بالإفراج عن والدهم الكريم د/ عمر عبدالرحمن.. فكيف يقوم هؤلاء الشباب بالهجوم عليهم بالأسلحة البيضاء والشوم والشماريخ ثم يحرقون المكان ويدمرون كل ما فيه ويستلبون بعضه.
ما هذا يا قوم؟.. أين نحن؟.. ولماذا كل هذا العنف؟.. ولماذا وصل العنف فى شارع محمد محمود إلى حرق مدرسة الليسيه ومحاولة حرق أماكن أخرى واقتحام مجلس الوزراء ليلاً.. وكأن هؤلاء يريدون اقتحام مجلس الوزراء الإسرائيلى وتحرير القدس.
يا قوم اتفقوا أو اختلفوا مع قرارات الرئيس مرسى.. ولكن احذروا العنف والحرق.
ويا شرطة مصر دافعى عن كل الأماكن السيادية ولكن احذرى سفك الدماء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
اختلفوا أو اتفقوا مع قناة الجزيرة ولكن لا تحرقوها لأن ذلك يعنى إقصاء وإلغاء الآخر من الوجود.. وقد يجر عليكم عنفاً مضاداً لا تطيقونه ولا تتحملونه.
ويا ضباط الشرطة العسكرية اتفقوا أو اختلفوا مع الشرطة المدنية ولكن لا تتخلوا عن الانضباط العسكرى فيحاصر بعضكم الآخر وكأنه يحاصر إسرائيل.
ويا سيدى الرئيس مرسى أعط شعبك الحلو من العسل قبل أن تسقيهم المر من القرارات الصعبة.. ركز على العدالة الاجتماعية أولاً حتى يقف الشعب إلى جوارك.. واحذر القرارات الصادمة المتوالية حتى إن كان فيها مصلحة للوطن.. خاصة إذا تبعها رفع الأسعار البنزين وغيره من السلع.. أين الحلو إذن.
اهتم الآن بالقرارات التى تجمع الناس حولك.. لا أن تجمع الخصوم ضدك.
ماذا دهى المصريون حتى ينسوا أهم دروس فى ثورتهم الناجحة وهى السلمية والوحدة بين جميع أطياف الوطن؟
ويؤسفنى أن دوامة العنف قد تتزايد إذا استمر الانقسام الحاد فى المجتمع والذى تم ترسيخه بقوة عقب نجاح الثورة المصرية بعدة أشهر.
إن العنف يرسخ الاستبداد ولا يعالجه.. والعنف هو النتيجة الطبيعية للتخوين والاستقطاب والتكفير السياسى والدينى الذى عم المجتمع المصرى بأسره.
ولا بد أن تدرك كل الفصائل أنه لن يقوم الوطن على أكتاف فصيل واحد مهما كانت قدراته وملكاته.. فالوطن أوسع من الفصيل.. ومصر أكبر من أى حزب.. والمجتمع أكبر من أى جماعة سياسية أو دينية أو عرقية.. هذا المجتمع لن ينهض إلا بإسقاط خيار العنف والتخوين والتكفير.. وبالبناء لا الهدم.. وبإطفاء الحرائق وليس إشعالها.. والاجتماع على المشتركات الوطنية لا التنقيب عن الخلافات والإحن والصراعات.
وعلى الجميع أن يعلم أن دورة العنف إذا بدأت لن تقف بسهولة ولن تولد حاكماً عادلاً.. ولكنها ستخلق حاكماً ظالماً وشرطة باطشة.. فلنودع الطوب والحجارة والشماريخ والمولوتوف والآلى والمتفجرات.
وعلى الحكومة أن تكون قوية دون استبداد.. تطبق روح الإسلام مع نصه وإحسانه مع عدله.. وقوته مع رحمته.. وأن تفصل بين السلطات دون أن يشل بعضها بعضاً.. أو يصارع أو يعطل بعضها بعضاً.. أو يكيد بعضها لبعض.. وأن تنحاز إلى الفقراء دون تأميم أو مصادرة أو أكل أموال الأغنياء بالباطل أو إلغاء القطاع الخاص.. وأن تقدم العدالة الاجتماعية وتطوير الخدمات على ما سواها.. حتى يكون لها ظهير بين الشعب المصرى المهضوم والمهمش فى القرى والنجوع.. وحتى يتعاطف معها جموع المصريين إذا تورطت فى صراع سياسى داخلى أو فى حرب خارجية.. حمى الله بلادنا من كل سوء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ ياسر
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
د. عفاف ابراهيم
عين العقل
عدد الردود 0
بواسطة:
الشربيني المهندس
شياطين الانس
عدد الردود 0
بواسطة:
حاتم محمد مصطفى حموده
مقال رائع كالمعتاد
عدد الردود 0
بواسطة:
رافت
الاستفتاء الشعبى