الحلو مر مشروب سودانى شهير، على غرار التمر هندى والعرقسوس فى مصر، يتفق هذا المشروب فى تسميته مع الإعلان الدستورى الصادر عن الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، فقد جمع الإعلان بين الحلو والمر، فيحمل بين مواده الخير فى بعضها ويدس السم فى البعض الآخر، وكأنه يقدم للمصريين"حزمة" كاملة بكل ماتتضمنه من أفراح وأحزان دون أن يفكر فى تنقيتها وتطهيرها وكأنه أراد بذلك أن يمزج الشر بالخير لتمرير بعض لقرارات الاستبدادية وسط المطالب الثورية.
لا يختلف أحد فى الوطن على ضرورة تحقيق العدالة والقصاص للشهداء وتطهير المؤسسات من أزلام النظام البائد على رأسها القضاء بعد ما أصابه من تلوث وسيطرة السياسة عليه وتسخيره لمصالح النظام البائد، ولكن تطهير هذه المؤسسات وتحقيق العدالة يجب ألا يكون مصحوبا بانتزاع حقوق المصريين فى الحرية والتقاضى ومنحها لرئيس الجمهورية ليتحول إلى ديكتاتور جديد حتى ولو لفترة مؤقته، فالجميع يتذكر برنامج الألف يوم الذى ابتدعه حسنى مبارك لإصلاح الأمور السياسية والاقتصادية، ولكن الألف يوم مرت ومر بعدها نحو 10 آلاف يوم، ولم يتحقق شىء، بل أخذ الوطن والمواطنين إلى أسفل سافلين.
الجميع يعلم أن للثورة ضحايا وأهوال كما حدث فى الثورة الفرنسية، التى ظلت عشر سنوات تعيش مخاض عسير ولم تحقق أهدافها إلا بالدماء وذبح الملك ونصب المشانق وتعديل النظام الضريبى، ولكن الثورة المصرية كان لها طابع خاص فلم يفعل المصريون كما فعل أسلافهم الفرنسيون أو جيرانهم فى ليبيا وسوريا، بل كانت ثورة حضارية تعكس البعد الحضارى والإرث الاخلاقى والقيم التى يتحلى بها المجتمع فى أشد المواقف ألما ومعاناة.. لذلك حظيت الثورة المصرية بإعجاب العالم وسعت الكثير من الدول فى مقدمتها بريطانيا لإضافتها إلى مناهجها الدراسية لتعلم أبناءها عظمة وقيمة وحضارة الثورة المصرية وكيف عاشت مصر أياما عضالا بلا شرطة، ولم يحدث بها واقعة سرقة أو تحرش أو غيرها من الجرائم وكيف يقوم الشعب بثورة عظيمة تطيح بنظام عتيد دون أن تشعل الوطن أو تضعه على حافة الخطر.. ولكن ما حدث بعد الثورة ومحاولة كل طرف من الأطراف السياسية السطو على اكتاف الوطن أخذ مصر إلى حافة الخطر ومنح الفلول الفرصة للعودة من جديد لتشارك جميع التيارات فى تشويه مصر وثورتها وسرقة الآمال واغتيال الأحلام التى عاشها المصريون على مدار 18 يوماً فى ميدان التحرير.
وبعد نجاح الدكتور محمد مرسى تطلع الجميع إلى استكمال الثورة ولكن ظنت التيارات الإسلامية أنها وصلت إلى النهاية، وحققت كل ما تريد على طريقة فرانسيس فوكاياما فى نهاية التاريخ والإنسان دون إدراك أن ما وصلوا إليه ليس المستقر الأخير، فالسياسة لاتعرف الثابت، كما قال جان مارى جيهينو فى كتابه نهاية الديمقراطية، الصادر عام 1993 ردا على فوكاياما.
أعتقد أن الجميع ولايختلف مع الرئيس مرسى فى المادة الأولى من الإعلان الدستورى بل نشد على يديه ونؤكد أنها كانت يجب أن تصدر من زمن بعيد، كذلك الأمر بالنسبة للمادة الثالثة الخاصة بتعيين نائب عام فلا يمكن تحقيق العدالة مع نائب عام ظل خاضعا للنظام البائد، كذلك الأمر بالنسبة للمادة الرابعة الخاصة بمد عمل فترة الجمعية الـتأسيسية لمدة شهرين لتيح للجميع أبدى رأيه دون الوقوع تحت رحمة الوقت.
أما المادة الخاصة بتحصين مجلس الشورى والتأسيسية فكان من الممكن الاستغناء عنها، وخاصة مجلس الشورى، الذى يستنزف موارد الدولة دون أن يكون له دور حقيقى فى المجتمع، بل أصبح بمثابة سبوبة للأعضاء، أما التأسيسية فكان بإمكان الرئيس معالجة ما يدور فيها عن طريق رجل رشيد وليس رجلا يعتبر المنسحبين أنجاسا ورقاصين.
كان بإمكان الرئيس أن يصدر قانونا بتخفيض سن القضاة إلى 65 عاماً بدلاً من 70 ليطيح بالنائب العام وشيوخ القضاة، الذين قضوا على حقوق الأجيال المتوالية فى المناصب القيادية، وكان بإمكان الرئيس أن ينقى الإعلان الدستورى من بعض الشوائب وخاصة المادة الثانية ليغلب الحلو عليه بدلاً من مزجه بالمر ليوحد بين أبناء الشعب بدلاً من تفريقهم فى ميادين مصر لنبدأ العمل وبناء الوطن بدلاً من الاستمرار فى السفه والترف السياسى الذى تعيشه البلاد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة