منذ يناير 2011 والتحذيرات تتوالى: احذروا من سيناريو رومانيا، حيث تحالف العسكر مع الفلول وقتلوا الثورة، احذروا من السيناريو الباكستانى، حيث تحالف الإسلاميون مع العسكرى ونهبوا البلد، احذروا من السيناريو الأفغانى حيث استولى الإسلاميون على الحكم وأعادوا أفغانستان إلى العصر الحجرى، احذروا السيناريو السعودى، حيث تحالف الأمراء مع الوهابيين وامتطوا شعب الجزيرة العربية، احذروا السيناريو الإيرانى حيث ركب الإسلاميون الثورة وقتلوا المعارضين شر قتلة، لكن وسط كل هذه التحذيرات لم يظهر أبدا على السطح ذلك السيناريو اللبنانى، الذى تم تقسيم الشعب فيه إلى طوائف متناحرة، كل طائفة تملك مليشيات وأنصارا واقتصادا ووسائل إعلام خاصة، كل طائفة تقاطع الطائفة الأخرى، وتود لو أجهزت عليها ومحتها من الوجود، كل طائفة تبذل ما فى وسعها وما ليس فى وسعها من أجل تخوين وتكفير وإبعاد الأخرى، وسبب استبعاد هذا السيناريو هو أننا نحن المصريين نوقن أننا فى رباط إلى يوم الدين، نؤمن بأن من يحاول أن يعبث بوحدتنا تافه تعيس، لكن لأن يقيننا سبق تدبيرنا، ولأن تواكلنا سبق إرادتنا أرانا سائرين إلى هذا السيناريو القمىء، وما دماء «جيكا» و«مسعود» إلا بداية لما يمكن أن يحدث إن لم ننتبه إلى فداحة الكارثة.
كنت أتخيل قديما أن مصر يحكمها أربع كتل صلبة، لا تريد أية كتلة منها إلا مصلحتها ومكاسبها، هذه الكتل هى الجيش والإسلاميون والكنيسة ورجال الأعمال، وكانت «الحسبة» السياسية غالبا ما تدور فى فلك هذه الكتل وقوتها فى الداخل وقدرتها على مخاطبة الخارج، فكل كتلة تملك اقتصادها ورجالها وتأثيرها المعنوى سواء بالخطاب الدينى أو الوطنى أو الإعلامى، والكتلة التى تقدر على أن توحد فى صفها كتلتين إضافيتين تنال الحكم والرضا والاستقرار، وانظر مثلا ما كان يفعله مبارك من ضمان تأييد الكنيسة ورجال الأعمال باعتباره ممثلا للجيش، مداعبا الإسلاميين بالتقريب مرة والترهيب مرة،، لكن ما حدث فى يناير 2011 قلب هذه الموازين، ووضع تلك الكتل المصمتة فى مأزق حقيقى، فقد شهد يناير ميلاد الكتلة الأم، وهى كتلة الشعب المصرى، والتى لا تعبأ بتربيطات الكتل الحاكمة ولا تقيم لها وزنا، لأن تلك الكتل المتحجرة لا تريد أن تتنازل عن مكاسبها بسهولة أعادت المعادلة إلى ما كانت عليه، وبقى الصراع دائرا فى غياب الشعب أو تغييبه، وانظر ما فعله المجلس العسكرى حينما ضمن ولاء الإخوان ورجال الأعمال فعاث فى الأرض فسادا، ثم انظر إلى ما يفعله الإخوان الآن وسعيهم إلى كسب ولاء الجيش ورجال الأعمال ليعيثوا فى الأرض استبدادا.
تجتهد تلك الكتل الأربع «فى أن تقسم الشعب المصرى دائما، بين مؤمن وكافر، وطنى وخائن، استقرارى وفوضوى، لتتفرع منها كتل أخرى هامشية تتضخم حتى تحتل المشهد كله، ولأنها تعرف دائما أن الكتلة الأم أكبر منها وأخطر تحاول بقدر الإمكان أن تتودد إليها وأن تستحوذ عليها بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ، الغريب أن «الكتلة الأم» أو ما يسمى زورا بـ«حزب الكنبة» تنساق فى الغالب إلى مساعى الكتل الحاكمة، وتفاضل بينها محاولة أن تنال «الممكن» من المكاسب دون بذل «المفروض» من عناء، وهى فى ذلك محقة تماما، لأن انتفاضة هذه الكتلة غالبا ما تكون جامحة، فهى الضمير الذى يستوعب ويصبر ويسكت، لكنه لا ينسى ولا يتهاون، غير أن الخطير فى الأمر أن تطول غيبة هذه الكتلة الأم عن المشهد فتساق مرة أخرى بسوط الكتل الحاكمة التى لن تعرف «إن الله حق» إلا حينما نقيم علينا رجلا من بيننا، لا يضع نصب عينيه إلا مصلحتنا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
كأن القاسم المشترك لأمثلتك هو الإســــــــــــلام
وسقطت الأقنعة العلمانية عند الظهر ...
عدد الردود 0
بواسطة:
كنباوى
الإستفتاء هو الحل
عدد الردود 0
بواسطة:
نزار
أفغانستان دولة تحتلها أمريكا ... يافهيمة ... ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو الطيور
إحنا آسفين ياشجرة الدر ...؟
عدد الردود 0
بواسطة:
الباشا مهران
أبو لهب فى المدينة - تعلم قبل ما تتكلم
عدد الردود 0
بواسطة:
المحامى
التطهير ولأ غيره ..
عدد الردود 0
بواسطة:
ليبرالي
من السبب
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
رجل من بيننا