عرفت مصر فى الثلاثة عقود السابقة، العديد من الثنائيات التى حاولت اختزال المشهد السياسى بين الحكم والمعارضة، الحزب الوطنى والإخوان، الإخوان والمجلس العسكرى، التيار الإسلامى والتيار المدنى، والآن وفى ظل الاستقطاب السياسى الحاد فى مصر، يحاول البعض إطلاق ثنائيات جديدة مفتعلة، تحاول اختزال واقعنا السياسى والاجتماعى على نحو مخل.
إن أهم ما ميز مصر عبر تاريخها العريق، التنوع فى الأديان والثقافات والأفكار، والتى كانت نتاجاً طبيعياً لموقعها الفريد عبقرية المكان، التى جعلتها مطمعاً للغزاة من كل لون، ومع كل غزو كانت تصبغ من غزاها بطبيعتها ولونها، ويذهب هو وتبقى هى، قوية عفية بهية وقد هضمت ما توافق معها من ثقافة، وبقيت هى فريدة فى لونها وطعمها، وفى كل الأحوال بقى الدين حاضرا فى تكوينها، حتى قال البعض، إن المصريين لو لم يدعهم أحد إلى الدين، كانوا سيخترعون هم هذا الدين، الذى هو ككل الأفكار والثقافات التى وفدت على هذا الشعب له عندهم طبيعة خاصة بهم، فالمصريون يعتنقون المذهب السنى ولكنهم يحبون آل البيت حبا شديدا، ويزورون أضرحتهم وقد يبالغ بعضهم فى مظاهر حبه إلى حد الشطط، ولكن الأزهر الجامع ظل محافظا على معتقدات هذا الشعب نقية من الدخائل والمفتريات، حريصا على أن يبقى الإسلام بعيدا عن دائرة الصراع السياسى، فلا يستخدم سلاحا فيها، أو يذهب البعض فى إطار الخصومة السياسية والخلاف حول طرائق الحكم، فيصف نفسه بالإسلامى فى مواجهة غير الإسلامى، وبطبيعة التوصيف ومآلاته سنجد أن الآخر إن خالفه فى اجتهاده، يصبح بمواجهة تهمة التكفير فى الدين أحيانا، والتخوين فى الوطنية أحيانا أخرى.
يحاول الفريق الذى احتل سدة الرئاسة فى هذا الوطن، أن يصف الاستقطاب الحادث فى الساحة السياسية بين الفرقاء، بأنه الصراع بين الحق والباطل، أعداء الشريعة فى مواجهة أنصارها، وهو فى إطار خلط الأوراق، ينعى على شركاء الثورة وجود الفلول بينهم فى الميدان، دون أن يسأل نفسه من جمع هؤلاء مع أولئك سوى قراراته الكارثية، والتى ليس آخرها الإعلان الدستورى الأخير، الذى أطاح بإحدى سلطات الدولة (السلطة القضائية)، بعدما استحوذ على السلطتين التشريعية والتنفيذية مما كرس الاستقطاب، وهيأ الأجواء للاحتراب الداخلى، الذى قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية، لن تعدم وقودا لها فى الداخل والخارج، والخاسر فى النهاية الوطن بأرضه وناسه.
يحاول الفريق الثانى على الجانب الآخر، أن يدعى أنه يدافع عن الديمقراطية وعن سلطات الدولة، دون أن يعترف بما أصاب هذه السلطة من فساد، جعلها تنحرف عن النهوض بدورها الأساسى فى الانحياز لسيادة القانون والدستور، بل وتتورط فى الصراع السياسى لحساب طرف على الآخر وفجأة أصبح بعضهم يتحدث عن النائب العام، باعتباره من أفضل من تولوا المنصب فى تاريخ مصر الحديث، كده مرة واحدة!! كذلك لم يعترفوا أبدا بفشلهم فى أن يتجمعوا، سواء فى الدخول للمنافسة على مقاعد البرلمان بقائمة واحدة، أو حتى انتخابات الرئاسة التى جعلتنا مكرهين فى النهاية على الاختيار بين شفيق ومرسى، ولم يكن أيا منهما الاختيار الأول للثورة.
نحن أمام لحظة حرجة فى تاريخ مصر، وتاريخ الثورة التى كان أهم ما ميزها، أنها حافظت على سلميتها، مقارنة بغيرها من الثورات فى عالمنا العربى.
الرئيس وجماعته وحزبه يملكون التصرف بما يليق بتاريخهم الوطنى، بأن يجسدوا قيم الصدق، والتعاون، والتجرد، وشجاعة الاعتراف بالخطأ بسحب هذا الإعلان فورا.
أما الفريق الثانى فيجب أن يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، ويصدق أننا انتقلنا بالفعل إلى مربع المنافسة السياسية، وهو انتقال مبكر نعم ولكنه حدث، سواء كان ذلك نتيجة انتهازية البعض أو غباء البعض الآخر لكنه حدث، ومن ثم لا مجال للحديث عن الجمعية التأسيسية أو الدستور بل عليهم أن يدققوا فى المسودة المقترحة ويقبلوها ويقبلها الشعب فتمر ونغادر المرحلة الانتقالية، أو يرفضوها ويرفضها الشعب وساعتها من الطبيعى، أن يعاد تشكيل لجنة جديدة أقدر على إنجاز المهمة، دون معارك فى الشارع ودون استقطاب بغيض.
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محمود المالح (كاتب)
الاتحاد
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق
بتلبسوا العمة لمين؟
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عبد الهادي
مواضيع أخرى
عدد الردود 0
بواسطة:
الشريف حسن
المقطع الاخير فيه الحل الشافى
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر الكرماني ي
هي السياسة العامة