يبدو أن من قال (السلطة تعمى صاحبها) كان مُحقاً إلى أبعد الحدود، فقد خرج علينا الثلاثى الشهير (الغريانى والعريان والعوا) بتصريحات أعلنوا فيها مدى فرحتهم وسرروهم لأنهم أسهموا فى إعداد (الدستور)، وأن أحدهم سيفخر أمام أولاده وأحفاده بأنه واحد من واضعى هذا (الدستور) كما ذكر موقع "اليوم السابع" صباح اليوم الجمعة 30/11/2012!.
حسناً.. كيف جرؤ هؤلاء وغيرهم على إعداد وتمرير دستور أقرته جمعية تأسيسية مشبوهة بدليل انسحاب ربع أعضائها، احتجاجاً على إصرار الأغلبية (التيارات الإسلامية بتنويعاتها ولحاها) على فرض رؤيتها فرضاً، وإقصاء الآراء المغايرة التى تطرحها قوى مدنية وعصرية؟ مع ملاحظة أن الذين رفضوا المشاركة فى جريمة (سلق) الدستور على هوى تيارات تخاصم العصر الحديث فى الفكر والسياسة والاقتصاد وحتى فى (الشكل).. أقول إن الذين رفضوا يمثلون نخبة معتبرة من المفكرين والقانونيين والسياسيين المصريين (هل لاحظت أنه لا يوجد مثقف أو مبدع مصرى واحد فى الجمعية التأسيسية؟).
أما إذا حاولنا غض الطرف عن هذه الجريمة الدستورية فى حقنا نحن المصريين، وحاولنا أن نجد تبريرًا واحدًا لأولئك (السعداء والفخورين) الذين تجرأوا بلا أدنى خجل على وضع دستور دون وجود أى ممثل عن أشقائنا الأقباط فسوف يعتريك الغضب بشدة.
إذ كيف يعقل أن تصوغ دستورًا لمجتمع يعيش فيه 13 مليون مسيحى تقريبًا، نحو سدس المصريين، ولا يزعجك انسحاب الأقباط اعتراضاً على استبداد تيارات الإسلام السياسى التى تسيطر على الجمعية التأسيسية؟ وكيف هان أشقاؤنا الأقباط على أعضاء الجمعية، فأنجزوا (دستورهم) المشبوه بضمير ميت وروح بليدة، ثم راحوا يفخرون ويحتفلون؟!.
أن تلغى وجود ملايين الأقباط وتقصيهم عن المشهد لهو أمر مشين وجنونى سيدفع ثمنه أولئك الذين ارتضوا الاستمرار فى جمعية لا تؤمن بضرورة التوافق التام عند صياغة الدساتير، ورحم الله شهداء الثورة من شباب الأقباط الذين قدموا حياتهم، مع أشقائهم المسلمين، فداءً لوطن يظللنا جميعًا، لا وطن تحاول خطفه تيارات تخلط الدين بالسياسة فتفسد الاثنين.
أظن أنه لا يغيب عن حصافتك الترابط الوشيج بين الإعلان الدستورى (الإلهى) الذى أصدره الرئيس مرسى الخميس 22/11/2012، وبين سرعة (طبخ) الدستور وتقديمه إلى الرئيس غدا السبت، كما قال كبيرهم الذى علمهم (السلق)، الأمر واضح فالجماعة وأخواتها يلهثون لإقرار أمر واقع يرضيهم قبل أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها الذى قد يقضى بحل الجمعية التأسيسية وحل مجلس الشورى.
المثير للانتباه أن الرئيس مرسى لم يستطع أن يقنع الملايين بقراراته (الإلهية) حين ظهر على تليفزيون الدولة الرسمى أمس الخميس، وتعامل معنا نحن المصريين باعتبارنا (غنم)، وأعتذر عن التشبيه، فهو الراعى الذى يتولى مسئوليتنا وإرشادنا إلى الكلأ، ولم يعرف الدكتور بعد أن الرئيس فى الدول الديمقراطية الحقة مجرد موظف عام يؤدى مهامه، لا راعى غنم!.
لا أحد يستطيع أن يتكهن بما سيحدث فى الساعات والأيام القليلة المقبلة فى ظل إضراب القضاة واعتصامات القوى السياسية المدنية وحشودها المقترنة بغضب شعبى عارم، خاصة أن تيارات الإسلام السياسى ستحشد (رجالها) للخروج تأييدا للرئيس!، وهو أمر مضحك لأنه ما من مظاهرات تخرج لتأييد الحاكم، إلا فى الدول المنحطة ديمقراطيًا (تذكر حشود القذافى وبشار الأسد وعلى عبد الله صالح ومبارك)، هل سمعت عن مظاهرات تخرج لتأييد أوباما أو كاميرون أو يولاند أو حتى شارون؟
على أية حال.. يعلمنا التاريخ دومًا أنه من المحال أن تنجح جماعات سياسية، حتى ولو تمسحت بالدين، فى جرجرة المجتمع إلى الخلف، كما تنبهنا حكمة التاريخ بانتظام أن أية سلطة حاولت إقصاء ملايين الناس من الحضور السياسى لن يكتب لها الاستمرار وزوالها المدوّى أقرب إلينا من حبل الوريد!.
أشقاؤنا الأقباط.. لا تحزنوا.. فملايين المسلمين الشرفاء من أشقائكم المصريين يضعونكم فى أكرم ركن فى قلوبهم.. أشقاؤنا الأقباط.. لن ننساكم!.