تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر، هو الأمل الذى تهفو إليه نفوس المسلمين طويلا، ومن أجله كافح المسلمون عامة والحركات الإسلامية خاصة، وهو الذى قدم من أجله الأجيال الإسلامية المتتابعة من دعاة وأبناء الحركات الإسلامية والعلماء والدعاة وعوام المسلمين دماءها، وأوقاتها، وحرياتها، وهو الذى انتظره الصالحون زمناً طويلا.. وهم يأملون أن يتحقق قريبا، ولكن المؤلم الآن أن شعار تطبيق الشريعة تحول إلى مادة للصراع السياسى بين القوى السياسية المتناحرة، بدلا من أن يكون مادة تجتمع عليها القلوب وتخشع عندها النفوس.
وقد ساعد على ذلك أن بعض الذين يحملون لواء التطبيق الفورى للشريعة، لا يعجبهم أحدا ولا يرضون عن أحد، بدءا من د.مرسى رئيس الجمهورية الحامل للقرآن، والذى وعد مرارا بتطبيقها، ومرورا بالأزهر وعلمائه ودعاته العظام.. وانتهاء بكل من يريد التدرج أو التأنى فى التطبيق، حتى يتم على وجه صحيح، يحبب الناس فى الشريعة ولا ينفرهم منها. وبعض هؤلاء ليسوا من أهل العلم أو الفقه أو البذل والعطاء أو التجربة فى مثل هذه القضايا الشائكة، وهم يطلقون تصريحات متشنجة، تضر مشروع الشريعة أكثر مما تنفعه.. وبعضها يثير فزعاً وهلعاً من الشريعة، بدلاً من طمأنة الآخرين الذين يحبون الإسلام، ويرغبون فى الشريعة..
ولكنهم يريدون أن يطمئنوا إلى طريقة التطبيق وسلامته. وكان من الأولى أن يتصدر المشهد فى أمر تطبيق الشريعة العلماء والحكماء والفقهاء وأهل القانون وعلوم الشريعة، بدلاً من بعض الذين ينفرون الناس من الشريعة صائحين هائجين، وكأنهم يقولون لعوام الشعب المصرى، «لقد جئناكم بالذبح».. وهنا أود أو أوضح النقاط الآتية:
1 - تطبيق الشريعة الإسلامية واجب على كل مسلم ومسلمة، مادام المسلم قد رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
2 - لابد من التدرج فى تطبيق الشريعة، فالتدرج سنة ماضية فى الكون، ومن اصطدم بها دق عنقه، والتدرج لا يكون فى الحلال والحرام.. ولكنه يكون فى تطبيق الأحكام على أرض الواقع.
3 - تطبيق الشريعة الإسلامية على الأفراد والمجتمعات، يكون حسب وسعها.. فكما أن لكل فرد طاقة ووسعا ومقدرة، فلكل مجتمع وسع وطاقة ومقدرة.. وكما أن الله قال فى حق الأفراد «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا».. فيمكننا القول أنه «لا يكلف الله مجتمعاً إلا وسعه وطاقته وقدرته».
4 - والوسع المجتمعى فى تطبيق الشريعة من القضايا الهامة التى غفل عنها الكثيرون ممن يتصدون لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وأول من نبه إلى قضية الوسع المجتمعى هو الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذى أدرك بنبوته وعبقريته طبائع، وثقافات، وإمكانيات المجتمعات المختلفة.. فقد قال ( صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة رضى الله عنها، وكأنه يستودعها قضية الوسع المجتمعى، «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لهدمت الكعبة، ثم بنيتها على قواعد إبراهيم عليه السلام»، لقد أدرك «صلى الله عليه وسلم» أن الوسع المجتمعى لأهل مكة، لا يقبل ولا يتسع لهذه الخطوة التصحيحية التى يريدها، وقد يفهمونا فهماً خاطئاً.. وذلك كله رغم أنه كان وقتها جامعاً بين رياسة الدين والدولة.. أى خاتماً للمرسلين ورئيساً للدولة معا.
5 - وحينما أسلمت ثقيف بعد حرب طويلة، ومفاوضات شاقة، وكر وفر، وكانت مشهورة بعنادها قالت: «لن نتصدق (الزكاة) ولن نجاهد»، فقبل منهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، لأنه أدرك أن ذلك هو وسع مجتمعهم الحالى.. وأن عنادهم وكبرهم يأبى عليهم قبول الإسلام دفعة واحدة.. وحينما عجب الصحابة لذلك، قال: سيتصدقون ويجاهدون.. وبعدها تصدقوا وجاهدوا، بل رفضوا أن يرتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» كما ارتد غيرهم.
6 - الشريعة الإسلامية أكبر من أن تكون مجرد كلمات فى دستور، أو بنود قانونية مكتوبة.. فالشريعة الإسلامية موجودة فى مصر قبل نشأة الدساتير.. وستكون موجودة حتى لو لم تكتب فى الدستور.. رغم أهمية كتابتها فيه.
7 - الشريعة الإسلامية مكانها الطبيعى والأصلى هو القلوب والنفوس والضمائر.. ولو أنها كتبت فى كل مواد الدستور، وكل القوانين، ولم تكن موجودة فى النفوس والضمائر والقلوب، لما كانت هناك قيمة لهذه الدساتير والقوانين، ولراغ الناس منها روغان الثعلب الماكر.. وهذا يحدث الآن فى قوانين المواريث الشرعية، فلا يورثون البنات شيئاً ويتحايلون على القانون.. ويفعلون ذلك أيضاً مع قانون الأحوال الشخصية، وهو مستمد أيضاً من الشريعة الإسلامية.
8 - هناك اعتقاد خاطئ لدى الكثيرين، أنه بمجرد كتابه «أن الشريعة هى المصدر الرئيسى للقوانين» سيحل الخير ويذهب الشر.. وتأتى الطهارة ويذهب الفساد.. وينتهى الزنا ويأتى العفاف، دون أن تلوث إصلاح حقيقى وجذرى للنفوس والقلوب والأفئدة والضمائر التى تلوثت وتعودت على الحرام الحقيقى، وألفته وأصبح معتاداً لديها.. إن الجهاد الحقيقى يقع على الدعاة والمصلحين والمربين، وبعدها يأتى دور القوانين، فكل من أقيم عليهم الحد أيام الرسول «صلى الله عليه وسلم» جاءوا إليه طواعية ومن تلقاء أنفسهم، رغبة فى التطهر وتقرباً إلى الله.. ولم يكونوا مثل بعض المصريين الذين يروغون من العدل والقوانين روغان الثعلب.
9 - مسؤولية تطبيق الشريعة، تقع على المجتمع وعلى الحكومة معا، والجزء الأكبر فيها يقع على عاتق المجتمع، والأقل يقع على عاتق الحاكم.. فالعبادات والأخلاق والشعائر والمعاملات تقع على عاتق المجتمع، ولا تحتاج لقوانين خاصة.. أما الذى يقع على عاتق الحاكم والحكومة فهو الحدود والتعزيرات وقضايا الأمن الداخلى والخارجى والعلاقات الدولية «أى الأحكام السيادية والسياسية».
10 - تطبيق الشريعة الإسلامية إذن يحتاج إلى إرادة مجتمعية من المجتمع، وإرادة سياسية من الحكومة.. وبدون هاتين الإرادتين لن يكون للشريعة مكان حقيقى على أرض الواقع فى مصر.