ما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه حوار الدكتور مرسى للتليفزيون المصرى بخطابات مبارك قبل الرحيل التى كانت تأتى متأخرة خطوات دائما مع ارتفاع سقف مطالب الشعب فى ميدان التحرير وفى باقى ميادين مصر.
لم يأت الحوار الذى انتظره الناس بجديد، خابت التوقعات فى أن يعلن الرئيس عن تراجعه عن قراراته الديكتاتورية فيما يسمى بالإعلان الدستورية ونزع فتيل الأزمة المتفجرة حاليا، وتجاهل كل مطالب القوى السياسية والثورية وأعلن انحيازه السافر إلى أهله وعشيرته وكأنه يكرر مقولة مبارك قبل 25 يناير للقوى الوطنية التى أعلنت عن تشكيل برلمان مواز «خليهم يتسلوا». كلام مرسل يعكس عزلة الرئيس عما يدور فى الشارع وانصياعه لمستشارى السوء ومزورى الحقائق من حوله والاستماع لهم فقط والاستقواء بجماعته التى تسير فى طريق الهاوية بعد أن فقدت شرعيتها وشعبيتها لدى المصريين فى زمن قياسى.
واصل الرئيس عناده واستكباره فى مواجهة غضب الشعب ومطالبه بإسقاط «الإعلان المشبوه» والجمعية التأسيسية الباطلة. ولم تؤت كلماته عن الحب والتسامح والوحدة الوطنية والقضاء المستقل بثمارها، لأن أقواله وكلماته تناقض أفعاله وإهداره لكل مكاسب الثورة فى الحرية والديمقراطية. نفس لغة الخطاب الجوفاء البعيدة عن الواقع وكأنه رئيس من كوكب آخر يتحدث إلى شعب فضائى. لم يستمع الرئيس إلى صيحات الغضب فى الميدان، وفى شوارع مصر التى بدأت تطالبه بالرحيل وبسقوط حكم جماعته وسقوط دستوره المسلوق.
ولكن يبدو أن أركان المؤامرة مستمرة ففى الوقت الذى كان يتحدث فيه مرسى كانت جريمة تمرير الدستور تتم على الجانب الآخر، وكأن هناك شىء بليل تم تدبيره لوضع الشعب أمام خيارين كلاهما سيئ ومرفوض على طريقة مبارك «أنا أو الفوضى»، وهو ما عبر عنه قيادات الجماعة القابضة فى تصريح للدكتور عصام العريان «إما الدستور أو استمرار الإعلان الدستورى». هذه هى المناورة السخيفة والبائسة التى تم تدبيرها للالتفاف على حالة الغضب والثورة ضد الرئيس والمرشد والجماعة. الديكتاتور لا يقرأ ولا يتعلم من دروس التاريخ ولا يتعظ من مصير سابقيه.. هذا هو ملخص مشهد الخطاب المتناقض، والذى سبقه حوار مهين لمجلة التايم التى وصفت لغة الرئيس بالإنجليزية بأنه لم يتحدث بها من ثلاثة قرون، بالتزامن مع جمعية تأسيسية كانت فى سباق مع الزمن لتمرير دستور سوف ينقلب الشعب عليه مثلما حدث مع دستور إسماعيل صدقى عام 1930.