ما يحدث فى مصر الآن.. هو خاتمة الخيال.. وما كنا ننتظر أو نترقب أو نتخيل ما يدور، أن يضرب الأخ أخاه ويعتدى المصرى على المصرى.. ومهما قيل عن ملابسات أو خفايا أو أوراق مخلوطة.. فإن الحقيقة المؤسفة هى أننا دخلنا فى أزمة لا أقول نفقا.. لأنه لا تزال هناك أكثر من حلول.. ولا أقول وصلنا إلى طريق مسدود لأن فى مصر حكماء.. ولا أقول تراثا وتاريخا وحضارة.. فهذا معروف عند العالم كله وليس عندنا فقط.. ما يحدث فى مصر، وإن كان قد تخطى الاحتجاج ومفردات الديمقراطية.. فإنه بالتأكيد لم يكن حصاد الشهور الخمسة التى تولاها الرئيس الدكتور محمد مرسى، ولكنها تراكمات من عشرات السنين أحس فيها المصريون بالكبت والضغوط والقيود التى فاقت كل التوقعات، خاصة حين فوجئ المصريون بمخاوف قد تعرقل من حريته كما توقع، لأن القرار الصادر بالإعلان الدستور كان مفاجئاً وجاء قاسياً يحمل فى طياته الكثير من الإشكاليات التى كنا قد تركناها جانباً.. والحقيقة أن هناك مجموعة من المتاهات أحاطت هذا الإعلان الدستورى، أولها أن الدولة بلا دستور وبلا مجلس شعب، ورأى الرئيس محمد مرسى أن يكون لدينا دستور شبه مؤقت يحل محل الدستور الذى كان يكتب وقتها ولا يزال محل نقاش.. فإذا بالإعلان الدستورى يحمل فى طياته مجموعة من الضمانات غير الواضحة للجماهير، وفى مقابلها كثير من صلاحيات الرئيس تشريعيا وتنفيذياً بحيث يعيد إلى الأذهان ما عاناه من الرؤساء السابقين الذين وصفناهم تاريخيا بالدكتاتوريين، والدكتور محمد مرسى نعرفه رجلاً شفافاً طيباً لا يعرف الدكتاتورية ويقولها صراحة: أنا لا حقوق لى، وإن على واجبات أقدمها لشعبى، والحقيقة أننى عشت هذه الأيام الصعبة التى وقع فيها الرئيس محمد مرسى الإعلان الدستورى ليعتمده، وكان خارجاً لتوه من تشييع جنازة شقيقته ببلدته الزقازيق، وجاء إلى مكتبه وكان الإعلان جاهزاً، كنت أتمنى، ولا أدافع على الرئيس مرسى، فهو قادر على الدفاع عن نفسه وعن قراراته، أقول كنت أتمنى أن ينتظر عرض الإعلان الدستورى على مستشاريه، خاصة أن جميعهم من ثقات الأسماء.. وما خاب من استشار.. ولكن الطاقة الكبرى أيضاً أن الرجل وحيد هنا فى مكتبه ونائبه المستشار محمود مكى كان مسافراً فى باكستان لحضور مؤتمر عالمى، وجاءت ظروف الإعلان الدستورى ليولد يتماً، ويراه المصريون أزمة بل عائق بل كابوس.. وبدأت الدوائر تدور ما بين حوارات ملتزمة وما بين تصاعدات وصلت إلى تظاهرات واعتصامات هنا وهناك.. وأنا استشعر دائما ومنذ تولى الدكتور محمد مرسى منصب كرئيس للجمهورية أنه رجل مسؤول لا يريد الحكم بقبضة من حديد ولكن بقبضة من محبة الشعب وثقته.
اليوم الرئيس يدعو للالتفاف وأنا معه وأقول له: لا تحبط غضب الشعب ولا تغضب من غضب الشعب، هذا الغضب ليس إلا لإصلاح المسيرة والبعد كل البعد عن بنود بإعلان دستورى لا يطيقه أحد.
اليوم نريد منك أن تنظر إلى الوطن برؤية واحدة، رؤية توحد بعد أن كاد الشعب أن يفترق وبعد أن تدخل الدخلاء بعضهم بغير مسؤولية ليزيد الفرقة، وآخرون يحاولون التهدئة، إلا أننا ننتظر منك لم الشمل، ننتظر أولا التهدئة فى موضوع نحن نعرف أنه ليس أنت، فلست أنت الذى توافق على ضغوط على الشعب، وقد أعلنتها أنك لست الدكتاتور ولن تكون.. ونحن نصدق وعودك دائماً.. ولهذا نريدك ضارباً هذه المرة بيد من حق مثلما عرفناك وترقبناك، وتعلن إعادة بناء البيت المصرى.. كل ركن من أركانه يحتاج إلى إعادة ثقة وإلى وعى وإلى يقين أننا فى الطريق السليم بإذن الله.. نحن اليوم فى أزمة تحاول أن تقسم الوطن.. وعندك الحلول وعندك العين الثاقبة ولديك الرؤية نحو وطن كبير يليق بمصر وباسمها وبشعبها الطيب، وأقولها لك أيضاً لا تغضب من شعب يثور.. وإنما اغضب من شعب ينافق والحمدلله جميعنا لا يرضى النفاق، وأنت أحد أنباء الحق الذين يرفضون اللعب بالشعب لا قدر الله.. لنبدأ بدءاً حسناً، ولتكن مسيرتنا القادمة أكثر التزاماً ووطنية وثقة.. فلابد أن نستفيد من تجربة ما حدث ومن الدرس القاسى لتسير مصرنا إلى الأعلى دائماً نحو النور.