د. شوقى السيد

الدعوة إلى الحوار مناورة سياسية

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012 06:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعالت الصيحات، دعوة إلى حوار فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حول تعديل بعض مواد الدستور، والاتفاق عليها فى وثيقة مكتوبة مهما كان صفته من وقعها لتكون وثيقة يوقعها الرئيس، لتأخذ طريقها للبرلمان بعد تمام الاستفتاء، وهى دعوة بعد الأوان، ومناورة سياسية مكشوفة، فأى وثيقة تلزم غير من وقعها أو تضمن التزام من وقع عليها، خاصة إذا كانت بتعديل مواد الدستور، التى ينتهى إليها الحوار المزعوم.

ونسى هؤلاء المتحاورون أن دستورنا من الدساتير الجامدة، غير المرنة، التى تطلب لتعديلها إجراءات مركبة ومطولة، حتى تضمن الاستقرار والثبات، وهو ما جنح إليه واضعو مسودة الدستور ونص عليها فى المادتين 217، 218 على عكس الدساتير المرنة فى البلاد.

ذلك أنه بعد الاستفتاء، إذا قدر له بنعم، لا قدر الله سوف تكون مواد الدستور نافذة، وأولها نصوص الانتخابات البرلمانية، على حالها، التى تؤدى إلى الاحتكار والتسلط لفصيل بذاته تزاحماً من حزب بذاته أو حزبين ينتميان لتيار واحد، على السلطة التشريعية (مجلس النواب) الذى سوف يجرى حالاً بعد نفاذ الدستور لتكون أمام احتكار وتسلط يفتح أبواب الشيطان، التى باركتها نصوص مسودة الدستور، والتى جمعت من بين نصوصها نصوصاً تشريعية، وصفتها المحكمة الدستورية العليا من قبل بالانحراف فى سلطة التشريع فأراد واضعو الدستور تحصينها بالانحراف.

من ذلك مثلاً، نص المادة 231 الخاصة بمقاعد الأحزاب والمستقلين، والتى أجازت لكل منها الترشح على المقاعد الأخرى، إخلالاً بمبدأ المساواة، وكذلك مذبحة المحكمة الدستورية العليا، التى حظيت بثمانى سنوات من التحاور حتى وصلت إلى اختصاصها، إذ تقع المذبحة على اختصاصها، وعزل بعض أعضائها قصداً، وإهدار تاريخها الذى جعل منها المرتبة الثالثة على مستوى المحاكم الدستورية فى العالم.

ومن بين تلك النصوص كذلك مادة العزل السياسى، دون تحقيق ومساءلة أو محاكمة، والذى خصته المادة 232 مسودة الدستور، بحرمان بعض المواطنين من قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية تحديداً، وكذلك المجالس النيابية (الشعب والشورى) لعشر سنوات سابقة، ومنذ عام 2000، ولمدة عشر سنوات قادمة، ومعظم هؤلاء كان يسعى الحزب المنحل إلى دارهم، سعياً إليهم بسبب شعبيتهم أو مكانتهم الاجتماعية فى بلادهم، ليحسن من صورته أو يجمل أصله ونسبه، ذهب إليهم يطرق أبوابهم ويتحايل عليهم بشتى الطرق، ومنهم من لم يرتكب إثماً أو خطيئة أو شارك فيها.. شأن باقى المواطنين الذين أثروا السلامة وسكتوا دهراً، ولم ينطق أى منهم كفراً هؤلاء وغيرهم من المواطنين الأبرياء، لا يمكن مساءلتهم بالحرمان سياسياً أو حرمانهم من الترشح لرئاسة الجمهورية.. أو المجالس النيابية، ومجازاتهم بالإعدام سياسياً بغير ذنب أو تحقيق ومساءلة.

هذا النص سوف ينفذ فوراً بإجراء الانتخابات التشريعية، وبعد الاستفتاء وقد تعمد واضعو المسودة أن يضمنوا هذا الحرمان نصوص الدستور، بعد أن فشلت محاولاتهم تحت قبة البرلمان.. وحكمة المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية العزل السياسة بغير مساءلة، وصفته المحكمة بالانحراف التشريعى، فكانت مباغتة الجمعية التأسيسية فى جلستها الأخيرة فى ظلمة الليل من بعض قيادتها والمسيطرين عليها فى صناعة الدستور، وتم إقراره بالمسودة.

هذا الحرمان سوف ينفذ فوراً، ويتم الاستبعاد والحرمان حالاً من الانتخابات البرلمانية، التى فضل لها لتحتكر البرلمان وصناعة التشريع والرقابة على الحكومة فصيل بذاته، فذا ما اتفق المتحاورون على حذف النص أو تعديله وعرض نتيجة ما اتفق على مجلس النواب لتنفيذ ما اتفق عليه المتحاورون، فعلى أى شىء يتحاورون بعد أن تم تنفيذ الحرمان بالفعل، ظلماً وعدواناً وإقصاء وانتقاماً وكان المريب يقول خذونى.

هل تعلمون أيها السادة أن قانون الغدر، الذى صدر فى 22 ديسمبر 1952 برقم 344/1952 معاصراً لثورة 52 الذى كان قد نص على الحرمان انتقاماً، وكذلك جواز الحكم بإسقاط الجنسية بسبب الإفساد السياسى، هذا القانون حدد الأفعال، التى تعتبر غدراً وإفساداً للحياة السياسية واستغلالاً للنفوذ، واشترط أن يثبت ذلك بعد تحقيق وصدور حكم، حتى ولو كانت محكمة خاصة، لكنها مكونة من مستشار بمحكمة النقض رئيساً وعضوية مستشارين من محكمة الاستئناف وأربعة ضباط عظام برتبة صاغ على الأقل، كما تتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى.

وكذالك نفس الحال فى قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى عام 1978، فكان الحرمان لا يتم إلا بعد تحقيقات المدعى الاشتراكى وحكم محكمة القيم!! وقد سقط بعد ذلك، وأسقطته المحكمة الدستورية العليا.

كذلك كان قانون الإفساد السياسى، الذى أصدره مجلس الشعب المنحل بالقانون رقم 131/2011، واشترط لتوقيع عقوبة الحرمان، تحقيقات يجريها النائب العام، وأن تحكم بالعقوبة محكمة الجنايات المتخصصة، ألم يكن ذلك كاف أيها السادة للحرمان من الحقوق السياسية والترشح؟! أم أن ما ورد بالمسودة مقصود به الإقصاء والاستحواذ والسيطرة، نعم أن مادة واحدة ظالمة وانتقامية فى مسودة الدستور، كافية ذاتها أن تفسد الدستور كله، فضلاً عن مواد أخرى، فعلى أى شىء تتحاورون أيها السادة ليأتى هذا التحاور بعد الاستفتاء والعدوان وبعد فوات الأوان.

وبالمناسبة كاتب هذا المقال لم يكن يوماً ما عضواً بالحزب الوطنى المنحل ولا عضواً بأى حزب سياسى، فكانت حياته كلها مستقلاً عن الأحزاب السياسية!! لكنها كلمة حق فى مواجهة نص ظالم يؤدى إلى طغيان وظلم وإقصاء وتسلط وليأتى التحاور بشأنه بعد فوات الأوان.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة