محمد محمود مهدى

حتى لا تنهار المنظومة الخدمية بمصر

الأحد، 02 ديسمبر 2012 01:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تأتى فاجعة منفلوط (إحدى مدن محافظة أسيوط فى صعيد مصر) يوم 17/11/2012م، والتى راح ضحيتها قرابة الـ50 طفلاً كانوا فى طريقهم إلى معهدهم الأزهرى «النور» لتلقى دروس العلم، انعكاسًا طبيعيًا لتلك المنظومة الخدمية المتردية فى البلاد، والتى تعد الإرث الأثقل والأخطر الذى تواجهه السلطة الآنية بعد ثورة 25 يناير المجيدة.

ورغم أن هناك حقيقة مفادها (أن إراحة المجتمع عبر تلبية خدماته الحياتية بشكل مُرضِ، يُكسب السلطة الحاكمة تأييدًا شعبويًا يُقلل بدوره من تنامى الأفكار الانقلابية لدى قطاع كبير من المواطنين)، فإن «مبارك» ورجالاته تجاهلوا الاهتمام بالمنظومة الخدمية بل وأوصلوها لحالة متردية لعبت دورًا كبيرًا - كما أعتقد- فى خروج المواطنين العاديين إلى الميادين فى ثورة 25 يناير الفائتة.. الذى قد يقود إلى المصير ذاته!.

فالواضح أن التفات السلطة الحاكمة الموجودة حاليًا للمنظومة الخدمية محدودًا وبطيئًا نوعًا ما؛ إذ تغيب الاستراتيجية الواضحة والمحددة والمعلنة وفقًا لآليات وأدوات مبنية على أسس علمية مدروسة فيما يتعلق بالمشكلات الخدمية المتجذرة فى البلاد.

ورغم أن بيان الحكومة الذى عرضه رئيس الوزراء على الدكتور «مرسى» مع بدايات نوفمبر الجارى، تتضمن بنودًا تتعلق بتحسين جودة المواصلات العامة والانتهاء من خطوط مترو الأنفاق، وتوفير الخدمات الأساسية بالمدن الجديدة قبل انتقال السكان إليها، وتحسين الخدمات الصحية، فإن البيان لم يوضح أى الأساليب العلاجية المُتخذة لإحياء وإصلاح البنية الخدمية الموجودة بالفعل فى المدن القديمة (القاهرة والجيزة وخلافه) والتى تهالكت جميعها جراء ممارسات النظام السابق.
والملفت حالة الارتباك التخطيطى التى تجتاح النظام الحالى فى تعاطيه مع المشكلات الخدمية الحاصلة، فمثلاً مشكلة القمامة مازالت كما هى بل وتزداد سوءًا وذلك رغم ترتيبها المتقدم فى أجندة أولويات الرئاسة (حملة وطن نظيف نموذجًا)، وكذلك مشكلات المياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية.. إلخ من المشكلات الخدمية التى تحتل فيما يبدو مرتبة متقدمة ولكنها شفوية فى الخطابات الرئاسية، الأمر الذى ربما يُفسر بأنه خلل توجيهى وتنفيذى يستوجب الانتباه إليه وتصحيحه.

فبالنظر لكارثة منفلوط نجدها تجسيدًا حيًا لواقع منظومة الخدمات المتردى فى مصر، بخاصة فيما يتعلق بالواقع المهنى الضعيف (للغاية) لدى منتسبى القطاع الحكومى فى مصر؛ فغالبية العاملين فى الدولة المصرية لاسيما هؤلاء المنتمون إلى الوظائف الدنيا ومنهم عمال «المزلقانات» بالطبع، تمّ تعيينهم فى وظائفهم وفقًا لنظم التعيينات المعتادة فى الدول النامية، وبالتالى وارد جدًا أن يكون من بينهم من لا يجيد حتى القراءة والكتابة، هذا مع عدم النظر إلى خبراتهم فى مجالات العمل المقبلين عليها، وكذلك دون السعى إلى تأهيلهم بإعطائهم دورات تدريبية فى مجال عملهم، أضف إلى ذلك المردود المادى الضعيف لوظائفهم رغم خطورتها.

ففى تقرير نشرته جريدة الشروق المصرية عقب حادثة قطار منفلوط، يرصد حوادث القطارات فى مصر، وذلك من عام 2007م حتى 2011م، أبان حجم الكارثة التى تعيشها الدولة المصرية، بخاصة فيما يتعلق بأسباب حوادث القطارات، إذ أوضح أن 68.77% من أسباب الحوادث ترجع إلى الخطأ البشرى، وأن 6.25% تعود لأخطاء فنية.
فيبدو مما سبق أن للخطأ البشرى دورًا كبيرًا فى إحداث الخلل بالمنظومة الخدمية بجانب النقص الشديد فى الأدوات والإمكانات، ومن ثمّ إن أراد النظام الحالى إصلاح منظومة الخدمات، وبالتالى علو منزلته لدى المواطنين، فعليه أولاً: تقديم الحلول الفاعلة والناجزة كإصدار قرار مثلاً بتشكيل هيئة تتبع الرئاسة مباشرة تكون مسئوليتها الملف الخدمى بكامل محتوياته، وكذلك القياس المستمر لمدى رضاء المواطنين عن الخدمة ومقدميها.
ثانيًا: تهيئة القطاع البشرى العامل فى مجمل منظومة العمل الخدمى، وذلك بتوفير عنصرى (المادة والتعليم) ؛ فزيادة الدخل المادى لمقدمى الخدمات يجعلهم راغبين فى الأداء والإنتاج، بل ويجعل إدارتهم قادرة على المحاسبة، أما التعليم فيكون بتقديم الدورات التدريبية المستمرة فى مجال العمل الذى يؤدونه ، هذا مع اقتران هذه الدورات بالاختبارات والتى فى حالة اجتيازها يكون الترقى المادى والوظيفى لمقدمى الخدمات، وفى حالة عدم الاجتياز يكون خيار ترك الوظيفة مطروحًا.

ثالثًا: على الحكومة إن أرادت تطوير الخدمات فيجب عليها توفير كافة الأدوات والآليات اللازمة لذلك، مع العمل على توسيع صلاحيات التنفيذ والتوجيه لجهات ذات صلة، فحادثة مزلقان منفلوط تحمّل وزرها فيما يبدو عامل المزلقان لأن ذلك من اختصاصه فهو من أهمل فى عمله، ولكن أين مجلس مدينة منفلوط من الواقعة؟ أليس محاسبة ذلك المجلس واجبة وضرورية لعدم رصده وحصره للمزلقانات الموجودة بالمدينة التى يديرها بما فيها من عيوب، ومن ثمّ على الحكومة إعادة النظر فى الصلاحيات الممنوحة وعملية توزيع الأدوار ومحاولة فك عملية تشابك الاختصاصات.

رابعًا: تفعيل أدوار آخرين كالمجتمع المدنى فى الرقابة على الخدمات والمساهمة فى تقديمها؛ إذ جاء الوقت لتساند الحكومة بشكل جيد المجتمع المدنى فى القيام بأدوار خدمية، فهناك عدد كبير من جمعيات المجتمع المدنى همها الأول والأخير المواطن المصرى وخدماته التى من حقه الحصول عليها، فعلى الدولة حاليًا أن تساعد هذه الجمعيات على التكاثر فى المدن والقرى مع منحها صلاحيات العمل بعيدًا عن البيروقراطية الحكومية، وكذلك مساندتها فى تقديم خدمات للمواطنين، علاوة على تفعيل دورها الرقابى فى المجتمع.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة