كلما ضاقت الأوضاع حن المصريون إلى زمن سابق، فأنت مثلا تجد الآن وبدون مبالغة من يقارن بين الأوضاع الحالية وأيام مبارك، وقد تحتاج إلى جهد لإقناع محدثك من هذا النوع بأن نظام مبارك كان فاسدا ومستبدا، وأنه لا يمكن إعفاؤه من مسؤولية ما يحدث حاليا.
الحنين إلى الماضى هو بداخلنا جميعا إذا فقدنا الثقة فى الحاضر، وإذا بلغنا اليأس من المستقبل، هى قضية نلمسها فى حياتنا الخاصة، ونراها فى حياتنا العامة، خذ مثلا هذا الحضور الذى تجده لشخصية جمال عبدالناصر فى كل مظاهرة، تجد صورته مرفوعة بكل شموخه، وكلماته حاضرة بكل ما تحمل من وطنية وكبرياء وحنان على الفقراء، وبالطبع ستجد فى الضد من هو مسكون بخرافات مثل وصفه بـ«الطاغية» و«دراكولا»، والمؤكد أنك عزيزى القارئ ستجدها ضمن أشغال «الميليشيات الإلكترونية» التى ستعلق على هذا المقال، مزودة بأوصاف وأكاذيب تنم عن جهل عميق بتجارب التاريخ.
أقول هذه الخلفية بعد رسالة حملت عنوان «الاعتراف» للصديق الكاتب الصحفى أحمد الخطيب كتبها على صفحته فى الـ«فيس بوك»، وأخبرنى بها قبل كتابتها، قال أحمد: «تربيت على كراهية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكن لما رأيت غريمه أدركت أنه كان عظيما ونافعا، ألم تقل العرب: «وبالأضداد تعرف الأشياء»، فليسامح الله أبى وجدى رحمهما الله»، انتهت الرسالة، لكن معانيها لمن يريد أن يفهم لا تنتهى.
أعرف أحمد الخطيب منذ أن كنا نعمل سويا فى العزيزة «المصرى اليوم»، وكان جمال عبدالناصر مصدر خلاف بيننا، كان يكرهه على أرضية بارود هجوم جماعة الإخوان عليه، وعزز منها تربيته فى بيت أزهرى طيب، وكنت أحبه لأسباب كثيرة، وبعقل يرى أكاذيب كثيرة فيما يذكره الإخوان حول عبدالناصر، وعقل يرى أن الصراع بينهما كان سياسيا ولا دخل للإسلام فيه.
تجارب الحياة هى العنوان الأكبر للحقيقة، ولهذا غير صديقنا رأيه طبقا لها، وأرى أن التعامل مع ما حدث منه ليس قضية شخصية، وإنما يعبر عن حالة عامة فيها تقليب للتربة لتظهر الغث من السمين فى تجارب مصر، وتكشف من تجربة الحاضر كم كانت آلة كذب الإخوان تدور حول جمال عبدالناصر وتجربته العظيمة، حتى يتم تشويهها لصالح تجربتهم المنتظرة، وهاهو الحاضر يكشف زيف ما كانوا يذكرون.