يعتقد البعض أن الطاغية يقمع شعبه بعصاه الغليظة دوما، لكن الحقيقة غير ذلك، فهو إن كان يستخدم عصاه للإيلام مرة فإنه يستخدم ظلها للإرهاب والتفزيع ألف مرة، فهذا الطاغية أو ذاك، يجلس على كرسى الحكم ملوحا بعصاه لمعارضيه، يغرسها أمامه لتسقط عليها أشعة الشمس، فتزيد من طولها، وتبالغ فى تضخيمها، فيظنها الواحد عصا أسطورية، تطول الواحد فى بيته، والعامل فى مصنعه، والفلاح فى حقله، فيقمع نفسه بنفسه بدلا من الحاكم، وعلى هذا لا يضطر الطاغية إلى تعذيب أو سجن أو قتل معارضيه كلهم، ويكفيه أن يقتل أحدهم أو يعذبه مرة ليرتدع آلاف غيره من هذا المصير المشؤوم.
تلك عادة الطغاة، يحرصون فى كل مرة ينكلون فيها بمعارضيهم على أن يعلموا الجميع بمصير المعارض، والود ودهم لو يذيعون حفلات التعذيب على الهواء مباشرة، ليضع كل واحد نفسه مكان المعذب، ليشعر بآلامه ويواجه نفس المأزق، متخيلا أولاده وهم يبكون، وزوجته وهى تتشرد، وأمه وهى تنتحب، وبهذا يمكننا أن نفسر حرص العديد من الطغاة على تصوير عملية تعذيب السياسيين، ليشفوا غليل مرضهم من ناحية، ويقهروا بقية المعارضين من ناحية أخرى، وهكذا يقوم «ظل العصا» بدور أكبر ألف مرة وأكثر فعالية من العصا نفسها.
ارجع بذاكرتك إلى الوراء قليلا، لتتذكر ذلك الرعب الذى كان يحيط ببعضنا إذا ما سمع اسم «أمن الدولة» واسأل نفسك: هل مسكك أحد منهم أو عذبك؟ فستجد أنه قلما تدخل أحد منهم فى حياتك، لكنهم كانوا يشيعون أهوالهم بين الناس ليبقى الجميع قابعا فى «بيت الطاعة» خاضعا، وهو ذات الأمر الذى يحاول الطغاة الجدد أن يفعلوه، لكن لأن الناس فى حالة تأهب دائم لمثل هذه التصرفات المستبدة يحاول الطغاة الجدد أن يستبدلوا بآليات القهر القديمة آليات قهر جديدة، وقد عقدوا العزم على تكميم أفواه المعارضين وتشويههم، وليس أدل على هذا من ذلك الفيديو المنشور على صفحات الإنترنت والذى يقول فيه ياسر برهامى إنهم سيطاردون الصحفيين والكتاب بدعاوى الحسبة وفقا لدستورهم المشوه، وإنهم وضعوا قيودا غير مسبوقة على الحريات فى هذا الدستور، بل إنه زعم أنهم دبروا صفقة مع شيخ الأزهر ليمرر المادة المفسرة لمبادئ الشريعة، واضعا فيها كلمة «مصادرها المعتبرة» والتى سيحاربون بها كل من يعارض الحاكم باعتباره خارجا عن ولى الأمر، وسيكممون كل صاحب رأى باعتباره منشقا عن الجماعة.
المشكلة الحقيقة أن هؤلاء الطغاة الجدد مازالوا يفكرون بالعقلية القديمة، وقت أن كان يرهبنا «ظل العصا» ويخيفنا أكثر من العصا نفسها، حينما كان الحاكم يكتفى بالقهر فعليا لمرة واحدة أو مرات معدودات ليقمع شعبا بأكمله، فلا يضطر إلى تلويث يديه بدماء الآلاف أو الملايين، ويكفيه أن يجعل من بضعة أشخاص «عبرة لمن يعتبر» فهذا الجيل يحفظ جيدا مقولة الإمام محمد عبده «الأمة العاقلة لا تُظلَم» ويحتكم إلى عقله الذى يعتبره الحامى من البطش، والراعى الرسمى للمدنية، والجندى الأول فى صفوف الدفاع عن الحق، ومجابهة الطغيان، فلا ظل عصا سيرهبنا، ولا العصا نفسها تخيفنا، وليس أدل على هذا من ذلك التحدى المعلن الذى رفعته إحدى بنات هذا الجيل كاتبة على لافتتها رباعية شاعرنا الأكبر عبدالرحمن الأبنودى «نفسكم تكممونه.. والوطن يسكن سكاته.. مش هنسكت فقتلونا.. محناش أحسن من اللى ماتوا»، أو تلك الفتاة المصرية الأبية التى كتبت على لافتتها فى مظاهرات القائد إبراهيم «والله العظيم بطلنا نخاف».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مرسال
طول ما أنت فى السليم ياسليم ليه تخاف من المادة 219
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
يقول انهم سيطاردون الصحفييقن قضائيا بدعاوي الحسبة
عدد الردود 0
بواسطة:
ميمو
ياحكيم أون .. متى تكون ... ( وائل المتفائل )