لم يكن الإسلاميون سواء فى موقفهم من الدستور، فهناك قطاعات كاملة مثل السلفية الجهادية ترى أن الدستور كفرى لأنه يذهب لمنازعة الله حقه فى التشريع، ومن ثم فإنهم تكلموا عن أكثر من عشرين مادة كفرية فى الدستور، منها مادة أن السيادة للشعب فهم يريدون مادة تقول إن السيادة لله، كما أنهم يريدون مادة فوق دستورية تقول إنه لا يجوز لأى مادة فى الدستور أن تتعارض مع شريعة الإسلام.. ويتفق مع الجزء الأخير قطاع كبير من السلفيين الذين طالبوا بأن تكون هناك مادة تقول بألا تخالف أية مادة فى الدستور الشريعة الإسلامية، وهناك قوم من التيار السلفى الثورى كانوا يخالفون الدستور ويعترضون عليه مثل سلفيى كوستا، ولكن بطريقة مختلفة فهم يرون أن الدستور هو نوع من المكرونة التى يحميها العسكر.. وبالطبع من الأحزاب كان هناك حزب مصر القوية الذى رفض الدستور، ودعا جماهيره ومناصريه ليقولوا لا للدستور، وإن كان لم يطالب بإسقاطه، كما طالبت بعض الأصوات المتطرفة فى الجانب الليبرالى والعلمانى.
التيار العريض من الإسلاميين كانوا مع قول نعم للدستور، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة، والتيار السلفى بقيادة الدعوة السلفية ومناصريهم من هيئات علمائية كالدعوة السلفية والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ومجلس شورى العلماء، وبالطبع فإن عالما كالقرضاوى دعا لقول نعم للدستور وعاتب عبدالمنعم أبوالفتوح لدعوة حزبه للتصويت بلا على الدستور. كما دعت لقول نعم للدستور الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية وجماعة دعوة أنصار السنة فى الإسكندرية دعت لقول نعم هى الأخرى، وتلك جماعة مهمة يقودها الشيخ عبدالمجيد الشاذلى وهو أحد القيادات القطبية ولديه رؤية سياسية مهمة.
إذن هناك تنوعات كبيرة داخل الحالة الإسلامية فيما يتعلق بالموقف من الدستور وليس موقفا واحدا، وهو ما يعنى أن هذه الحالة ليست كتلة صماء، وإنما تحمل داخلها تعددية تؤشر فى الواقع إلى كمون حالة قابلية للديمقراطية بمعنى التأسيس لرأى مختلف بناء على أسس مختلفة عن تلك التيارات الكبيرة. كما أن التيار السلفى الجهادى وإن كان يعتبر الدستور عملا كفرياً إلا أنه أعلن عن المواد التى يعتبرها كذلك، وهو ما يعنى أنه نظر إلى مواد الدستور وقرأها برؤيته الخاصة، وهذه القراءة تعنى أنه يقف على تخوم تحول ناحية الممارسة السلمية بعيدا عن العنف. ويواجه حزب النور مشكلة انقسام جزء كبير منه لديه خبرة مهمة فى العمل السياسى، وهذا الجزء يتحالف مع حازم أبوإسماعيل، وهو ما يعنى تهجينا سياسيا قد ينقل خبرات مجموعة النور المغادرة إلى المجموعات السائلة التى تتخذ من حركة حازمون وصامدون ولازم حازم عنوانا لها. وقد طالعت تصريحات لقادة فى حزب النور يتحدثون عن أن موقفهم المناصر لجماعة الإخوان وللرئيس لا يعنى أنهم سيتحالفون معهم فى الانتخابات القادمة، ومن ثم فقد يكون لحزب النور السلفى خيار مختلف، قد نشاهد تحالفات مختلفة فى الانتخابات البرلمانية القادمة تخفف من غلواء حالة الاستقطاب فى المجتمع لنرى انتقالا من الخطاب الأيديولوجى المخاصم والقاسم للمجتمع إلى حسبة انتخابية تغلب الطابع البراجماتى الذى يخفف الاستقطاب ويبنى تقاليد جديدة للديمقراطية.
المتشائمون الذين يتحدثون عن سيطرة فصيل واحد على المشهد السياسى، قد يفاجئهم التنوع الإسلامى بتحالفات جديدة ومدهشة، فقد نجد مواقف داخل الحالة السلفية تكون أبعد من الإخوان وأقرب لتيارات أخرى إسلامية أو حتى علمانية.. نحن أمام بواكير بناء تقاليد لممارسة سياسية ستكون أقرب للتوازن بعيدا عن الاستقطاب وبعيدا عن سيطرة فصيل واحد على المشهد السياسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة