أسدلت الجمعية التأسيسية الستار على مشهد صناعة الدستور المصرى الجديد، بعد جلسة تاريخية، ربما تسجل فى موسوعة جينس للأرقام القياسية بعدما استمرت أكثر من 15 ساعة، ظهر خلالها المستشار حسام الغريانى على غرار ناظر المدرسة الذى يرهب التلاميذ، ولا يسمح لأحد بالكلام، بالرغم من العاطفة الجياشة التى ظهرت عليه عندما تساقطت الدموع من عينيه فى الفصل الأخير من الحفل الدستورى الذى لم تعرفه مصر من قبل.
وسط الاختلاف والاتفاق على قانونية الجمعية التأسيسية للدستور، تظهر الموسوعة الحرة ويكيبيديا أن كلمة الدستور تم كسر عنقها ولى ذراعها لتصبح عربية الهوى، مثلما يفعل الحكام العرب بها، فالدستور لم يتبرأ من أفعال الحكام العرب فقط، بل تبرأ أيضا من اللغة العربية، فالدستور كلمة فارسية الأصل دخلت العربية عبر اللغة التركية، وكأن الأتراك هم المحللون للعرب بالزواج من الديمقراطية، وتنقسم كلمة الدستور إلى جزأين، الجزء الأول "دست" بمعنى "القاعدة"، والجزء الثانى "ووَر" تعنى "صاحب"، أى أن الدستور هو صاحب القاعدة التى تسير عليها الدولة.
وبالرغم من الجهد المبذول فى وضع الدستور الجديد، إلا أنه جاء منزوع الدسم، بعد أن تم التصويت عليه فى غياب الكثير من القوى الوطنية، وإصرار الجمعية التأسيسية على تجاهل منع العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، ليبقى الصحفى تحت مطرقة الحبس، وتجاهُل الصحافة كسلطة شعبية كما كانت فى دستور 1971، مع العلم أنه لا يوجد فى كل دول العالم سوى ثلاث سلطات رئيسية، ولكن الإبقاء على الصحافة كسلطة شعبية يعزز دورها الرقابى والتوعوى بدلاً من الانتقاص من دورها.
كما أغفل الدستور حق الفلاحين والعمال فى الترشيح لمجلس الشورى، وجعله سبوبة للبهاوات، وكأن الفلاحين والعمال أقل شأنا فى المجتمع، بالرغم من ذلك فإن الدستور الوليد جاء خالياً من كل مواد الرعب التى دار الحديث عنها خلال الفترة الماضية، فلم يتح الفرصة للدولة الدينية والمتشددين لممارسة أى مهام عبر كلمة المجتمع بعد أن تم حذفها، وعدم تحديد سن زواج البنات وغيرها من الكلمات التى شغلت الرأى العام على مدار الأشهر الماضية، كما كسر الدستور الصلاحيات المطلقة للرئيس، فلا توجد مواد مفصلة على مقاس أحد، ولكن يجب أن نعلم أن العبرة ليست فى مواد الدستور فقط، بل فى التطبيق على أرض الواقع، فقد كانت دساتير مصر مميزة فى أوقات كثيرة تباهى بها الكثير من الأمم، ولكن السلطات الحاكمة ظلت على مدار الوقت تحكم الشعب بشهيتها، وتضع مزاجها الخاص فى كثير من الأوقات، بديلاً عن الدستور والقانون، وكانت الحكومة والوزراء يلوون عنق الدستور، ويكسرون أنفه لتحقيق مصالح معينة، وإذا لم تفلح محاولات كسر الأنف ولى العنق يتم اللجوء إلى الترقيع، وتفصيل بعض المواد كما حدث، عندما بدأ مجلس الشعب بقيادة الدكتور أحمد فتحى سرور فى تفصيل مادة تتيح لجمال مبارك بأن يحل بديلاً لوالده.
فالقانون لو كان منزها عن النقص ومنزلا من قبل المولى عز وجل، وليس من صناعة البشر لن يحقق مصالح العباد على الوجه الأمثل، ويرسى العدالة والطمأنينة فى المجتمع، إلا إذا كانت هناك قيادة تملك الرغبة الحقيقية فى تطبيقه وشعب يعرف حقوقه، لذلك تبقى العبرة فى التطبيق والقوانين المكملة، فالدستور ليس نصوصا ومواد مكتوبة فقط، بل ممارسات ديمقراطية تحقق للإنسان كامل حقوقه حتى لو كانت غير مكتوبة، كما هو الحال فى بريطانيا، نتمنى ألا يصبح الدستور كلمات صماء تزين الصفحات، بل مفتاحا للحكم الرشيد الذى يحقق أحلام المصريين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو امجد
حل النقابات
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد خيري
لم أقرأ المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
رنيا فريد
الاسلاميين
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق
هذا الدستور يعيد تصنيف ثورتنا الى انتفاضة شعبية!
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور حسن حجاج
للأسف يتم خداع السلفيين و إستغلالهم و إيهامهم بإن كل ما يحدث هو لأقرار الشريعة من قبل الأ
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور حسن حجاج
الأخوان يخدعون السلفيين و يستغلوهم ويوهموهم بأن كل ما يحدث هو لأقرار الشريعة !!
عدد الردود 0
بواسطة:
مينا
مقال رائع
مقال رائع من كاتب مستنير ... دستور مهلبية
عدد الردود 0
بواسطة:
ملتزم
دستور منزوع الدسم
دستور منزوع الدسم لانه خفيف ومقبول