الأحداث التى شهدتها مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير فى إسقاط رأس النظام، تأخذ شكلاً تصاعدياً فى القوة وحجم الخسائر وأعداد الضحايا، وتعكس فى نفس الوقت وجود تخطيط دقيق من جهات محددة، كما تعكس وجود إنفاق مالى كبير عليها، حيث تستخدم فيها جماعات بشرية بأعداد كبيرة لا يمكن لها أن تتحرك لتقتل وتخرب وتسرق وتروع، إلا إذا كان هناك مقابل مالى مغرٍ وثقة كبيرة فى عدم مساس أجهزة الأمن بها، وما حدث فى الأيام الماضية فى استاد بورسعيد وفى شوارع القاهرة، وعمليات السطو على البنوك ومهاجمة السائحين، وغيرها من الأحداث كلها مخطط لها بدقة، بحيث لا يتعارض أحدها مع الآخر لا فى المكان ولا الزمان.
لقد أصبح هناك شبه إجماع على أن الثورة المصرية مستهدفة من جهات عدة، يجمعها هدف واحد، هذا الهدف هو "بقاء الحال على ما كان عليه"، حتى لو تغير النظام الحاكم، وهذا الهدف يخدم مصالح جهات أجنبية وجهات داخلية أيضاً، وهذا أمر ليس جديداً، فقد سمعنا المجلس الأعلى العسكرى يحذر من هذا الأمر، أكثر من مرة، وفى أعقاب أى أحداث مؤسفة يقع فيها ضحايا يخرج علينا المجلس العسكرى ببيانات وتصريحات، يؤكد فيها أن مصر مستهدفة من جهات خارجية وداخلية، وهو ما تضمنه البيان الأخير للمجلس فى أعقاب أحداث بورسعيد، لكن المجلس الموقر لا يريد أن يفصح عن هذه الجهات ويكشف هويتها، الأمر الذى جعل البعض يتعامل مع تحذيراته بعدم الاهتمام والمبالاة، ويشبهها بتحذيرات النظام المخلوع التى كانت تستخدم لدفع الشعب للالتفاف حول النظام وتأييده.
ولكن الأمر الآن يختلف تماماً عما كان عليه قبل الثورة، حيث كان نظام مبارك المدعوم من إسرائيل وواشنطن ومن جميع جيرانه العرب يختلق ويصطنع الأعداء، أما الآن فلا أحد يختلف فى أن أعداء الثورة المصرية كثيرون ومعروفون، وهم فى الخارج أكثر من الداخل، ولا يخفى على أحد ما بذلته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهود كبيرة لفرض هيمنتهما ونفوذهما على مصر فى عهد مبارك، وقد تأتى لهما ذلك بشكل كبير، ومن المؤكد أيضاً أن هاتين الجهتين لن يتركا مصر تضيع منهما، أو حتى تخرج من تحت نفوذهما، وسيبذلان كل جهودهما لفرملة عجلات الثورة وإبطاء اندفاعها حتى يحدوا من طموحاتها ومن جنوحها ضد مصالحهم.
وما يحدث الآن ما هو إلا خطة لإغراق مصر فى مشاكل داخلية معقدة، تلهيها أولا عن التفكير والإعداد لسياسة خارجية جديدة مخالفة لما كانت عليه فى عهد مبارك، وفى نفس الوقت محاولات ومساعى جادة ومخطط لها للهيمنة على مراكز صناعة القرار "القادمة" فى مصر.
ما يحدث الآن فى مصر هو البدايات وجس النبض، وما خفى هو الأعظم، ولا أشك فى وجود سيناريوهات وخطط معدة لتفجير الأوضاع فى مصر بشكل أوسع، وليس من المستبعد أن من يستخدمون السيوف والسكاكين الآن سيحملون الأسلحة والمتفجرات غداً، ولا نستطيع أن نصف "إهمال سؤال الأمن"، على مدى عام مضى، بأنه مجرد تقصير وخطأ غير مقصود، كما أنه ليس عفوياً ولا أمراً عادياً على مدى عام كامل أن يغرق الناس فى قضايا الانتخابات والدستور والإخوان والسلفيين والحلال والحرام وغيرها، ولو كان المجلس العسكرى أعطى جهوده كلها لتحقيق الأمن للمواطن لرفعه الشعب فوق الرؤوس ولتركه يقرر ما يشاء.
لكن ثورة الشك المشتعلة بين الشعب والمجلس العسكرى سببها الرئيسى قضية الأمن، والمجلس العسكرى يملك السلطة والقوة لتحقيق الأمن، "لو أراد"، ويجب أن تتوافر لديه الجرأة والشجاعة والضمير الوطنى ليكشف للشعب عن الجهات الخارجية والداخلية التى يحذر منها مراراً وتكراراً، وإلا سيتحمل هو المسئولية كاملة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الوكيل
احترام وتقدير
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري متعلم
تحليل معقول
عدد الردود 0
بواسطة:
إيهاب
الإعلام أيضا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
فين السيناريوهات