بعد أسابيع قليلة من آراء غاشمة تصف أدب نجيب محفوظ بأنه يحض على الرذيلة والكفر، تشهد كلية الهندسة بجامعة عين شمس موقفا بائسا يفتح الباب لمخاوف كبيرة، حيث قام اتحاد طلاب الكلية ووكيلها لشؤون الطلاب بطرد أسرة مسلسل «ذات» من الكلية أثناء تصوير مشاهد عن فترة التحاق البطلة «ذات» للكلية فى فترة السبعينيات من القرن الماضى.
الموقف الغريب لاتحاد الطلاب ومشرف الكلية جاء بعد أن شاهدوا مجاميع من الكومبارس يرتدون ملابس السبعينيات، ومنها ملابس فوق الركبة لطالبات جامعيات، ولم يكن ذلك دعوة للرذيلة، وإنما لأنه زى البنات الذى كان شائعا فى هذه الفترة، وكان شائعا للشباب زى البنطلون الواسع من فوق الحذاء «الشرلستون»، والسوالف الطويلة والشعر الأطول.
ووفقا للرواية والمسلسل فإن مرحلة التسعينيات ستظهر الفتيات بملابس الحجاب والخمار والنقاب، لانتشاره وقتئذ واستمراره حتى الآن، وكذلك إطلاق الشباب للحية وارتداؤهم للجلباب، وكل هذا يدور فى قالب فنى لعمل يمر على تاريخ مصر، بما حمل من تحولات اجتماعية وسياسية منذ ثورة 1952.
والمثير فيما حدث ما ذكرته مخرجة المسلسل كاملة أبوذكرى للزميلة «الشروق» فى عددها الصادر أمس الأول، بأنها حاولت شرح الموقف لوكيل الكلية الدكتور شريف حماد، فكان رده: «اخسروا الإيجار أفضل من أن تخسروا أرواحا»، ويحمل هذا الكلام تحذيرا قويا، نفهم منه أن الحالة كانت فى طريقها للانفجار الذى كان سيؤدى إلى زهق أرواح فى ساحة الجامعة، وبأيدى طلاب نصبوا أنفسهم رقباء على عمل فنى لا يعرفون عنه شيئا.
نحن أمام موقف يحيلنا لمخاوف بالغة على حرية الإبداع، والذين يصنعون هذه الحالة لا يعرفون الفرق بين الأعمال الفنية التافهة التى تشوه وجدان الناس، وبين أعمال فنية تكتبها قامات بوزن صنع الله إبراهيم مؤلف رواية «ذات»، فالذين غالطوا فى فهم الأصول الفنية للمسلسل وطردوا فريق العمل يجهلون أن صنع الله إبراهيم صاحب أكبر موقف مشرف من المبدعين المصريين ضد نظام مبارك، وذلك حين صعد على المسرح لاستلام جائزة شخصية العام الروائية من وزير الثقافة وقتئذ فاروق حسنى، ففاجأ الجميع بإعلانه رفض الجائزة لأنها من نظام ظالم مستبد، فهل من المعقول أن نكافئ هذا المبدع العظيم أحد صناع الأمل لثورة 25 يناير برفض تصوير عمل أدبى له؟ وإلى أى وجهة تحملونا يا هؤلاء؟