العصيان.. وحرائق الوطن

الفترات الانتقالية عقب ثورات الشعوب مِن أصعب الفترات فى تاريخ الأمم؛ لأنَّ البلاد تكون فى حالة مَخَاض عسيرٍ لولادة الدولة الجديدة، فضلاً عن العراقيل والمؤامرات والحملات المضادَّة التى تواجهها.. لذلك فهى تحتاج إلى تكاتُف الجهود وتوافق القوَى السياسية مع ضرورة الرؤية الثاقبة لتَجَاوز الفترة الانتقالية، وكم من شعوب تكبَّدت خسائر فادحة خلال فتراتها الانتقالية عقب الثورة نتيجة لضبابيَّة الرؤية والاندفاع وضياع الأهداف وعدم فَرْز الصفوف.. واتِّساع حالة الاستقطاب التى تخلخل المجتمع وتعطِّل وتعرقل الثورة.

لذلك من الأهمية بمكان لنجاح الثورة المصرية اليوم وتحقيق أهدافها تقصير الفترة الانتقالية، وهو ما يجب أن نسعَى إليه جميعًا، وقد تحقَّق جزء كبير منه بالتبكير بفتح باب الترشيح للرئاسة 10 مارس المقبل، يبقى فقط تحديد موعد الانتخاب وتسليم السلطة بعدها، والذى نأمل أن يكون فى نهاية شهر أبريل على الأكثر لتبدأ فترة بناء مصر الحديثة.

لكن كثرة الدعوات للإضراب والعصيان المدنِى تعنِى شيئًا واحدًا هو عرقلة الثورة وهدم مصر لأنه مع تبكير انتخابات الرئاسة لا مبرّر للدعوة إلى عصيان مدنى، فضلاً عن أنَّ الاقتصاد لا يحتاج مزيدًا من الكوارث والخسائر فى ظلّ التهديدات غير الواعية بإغلاق قناة السويس أو هويس إسنا، فسقوط الضحايا يوميًّا من شهداء أبرياء يجعل من الضرورى أن نتكاتف لحقن الدماء.. الأمر الأكثر خطورة أن تلك الأفعال والدعوات التى تعرقل مسيرة الثورة تؤدِّى حتمًا إلى زيادة الفترة الانتقالية فى الوقت الذى نريد فيه تقصيرها.

لكن من الواضح أنَّ البعض يريد أن يشعل الحرائق فى أرجاء الوطن من أجل أن يتصدَّر المشهد الثورى بعد أن رفَضه الشارع واختار - عن طواعيةٍ - التيار الإسلامى لتمثيله فى البرلمان، البعض يشعر أنَّهم أيتام خرجوا من مولد الثورة بلا نصيب.. وهؤلاء المهمشون المَرْفُوضون شعبيًّا ينظرون للفترة الانتقالية على أنها فترة متاجرة لتحقيق المزيد من المكاسب الرخيصة على حساب الوطن، ولا يهمهم فى ذلك مصر ومستقبلها، فهم يتخبطون ويتنكبون الطريق بعد فشلهم فى الانتخابات البرلمانية وإعلان كفرهم الصريح بالديمقراطية.