لم يكن عاما كغيره من الأعوام التى تمر علينا، ولم تكن الحياة فيه أقل قلقا أو خطرا عن سابقيه من الأعوام، فرغم التغيير والحدث الجلل الذى شهدته مصر فى مثل هذه الأيام من العام الماضى، حينما تم الإعلان عن تنحى الرئيس السابق مبارك عن الحكم، إلا أن المصريين لم يستطيعوا أن يستثمروا الانتصار على نظام سياسى عنيد لصالح البلاد، وإنما سعى كل فصيل لتحقيق أهداف خاصة، فهذا يدعو لرحيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذاك يدعو لعصيان مدنى، وثالث يطالب بتسليم السلطة إلى مجهول، ومر العام والناس نيام فى سبات عميق.
ولعل هذه كله يرجع إلى عدم وجود المرجعية، التى من المفترض أن تقوم على أساس الدستور ورعاية مصلحة الدولة.
ففى كل أنظمة دول العالم السياسية، الصاعدة والهابطة وما يستجد منها، يوجد ما يسمى بالمرجعية الدستورية، والدستور هو أبو القوانين الذى تتفرع عنه جملة الأدوات الحاكمة للدولة، أى أنه القاعدة التى تنطلق منها المواد المنظمة للحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وبدون قاعدة قوية يكون بناء الدولة واهيا وعرضة للعصف أمام المتغيرات الجديدة التى يواجهها سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى أو الدولى.
هذا ما ينبغى أن يكون عليه بناء الدولة العصرية، التى تريد أن تنطلق إلى آفاق الديمقراطية وتلحق بركب التقدم، أما عندنا فى بلادى مصر، وتحديدا بعد أحداث يناير من العام الماضى، فإن المرجعية لم تعد دستورية، وإنما يخيل للناظر أنها هكذا، فى حين أنها مرجعية قائمة على نظرية "التجربة والخطأ" أو ما يمكن أن يقال عنه "خلينا نجرب ونشوف" بمعنى أن نبدأ بلا نظام أو أن تطلب الأمر نطوع النظام لخدمة هدف حتى ننتهى منه وبعده ننظر إلى النتائج وكيف يمكن معالجتها، وهذا فى رأيى أسلوب عقيم ينم عن عدم وعى سياسى ودراسة مسبقة للواقع الذى تعيشه البلاد، ونتائج مثل هذه النظرية لا يكون فى صالح البلاد والعباد وإنما فى صالح فئة منتفعة تسعى لتحقيق هدف محدد فى توقيت زمنى معين، ولايهم بعد ذلك النتائج معتمدة فى ذلك على قدرتها على تطويع الأمور حتى وإن خالفت التوقعات.
هذا هو ما حدث فى مصرنا الحبيبة خلال العام المنقضى، فما إن تمت الإطاحة بنظام مبارك الساقط، إلا وكانت هناك محاولة جادة لبناء جديد للدولة، حتى صدرت التعديلات الدستورية فى مارس من العام الماضى، ووافق عليها الشعب فى استفتاء عام على أنها اللبنة الأولى فى البناء الديمقراطى الذى ينشده الشعب، على أن تكون تلك التعديلات هى نهج الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، ولحين صياغة دستور جديد للبلاد، ولكن ومع مرور الوقت تم الخروج عن قضبان تلك التعديلات وتم الالتفاف عليها للمواءمات السياسية، وحتى ينتهى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من مهمته التى استشعر أنها خطر عليه، فكانت النتيجة أن دخلنا فى دائرة الطعون والتشكيك بصحة الإجراءات وذلك لأسباب كثيرة منها اصطدام التعديدلات الدستورية بالدستور القديم ولجوء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى كثير من الأحيان إلى دستور 1971 الذى يتم التعامل معه على أنه سقط بأحداث يناير، لنصبح أمام إشكالية خطيرة تهدد ببطلان الحياة السياسة عامة، خاصة أن القائمين على وضع القانون لا يعرفون أى الدستورين يتبعون فضلت عنهم الشرعية.
ونتيجة لهذه الأزمة تم بناء العديد من القوانين والتشريعات مستندة فى بعضها إلى المبادئ الدستورية وفى الآخر إلى الدستور القديم الذى أصابه المرض والوهن فأصبحت الحياة السياسية فى مصر عرجاء تسير بقدم شبه سليمة والأخرى مريضة، مما يعنى أنها غير قادرة على السير لمسافات طويلة لتحقيق الأهداف العامة.
غير أن ما تم إنجازه "بالوصفة الدستورية" وهى خليط ما بين القديم والجديد، لايمكن القول إنه ذو مرجعية وأنه قابل للهدم مرة أخرى حال ظهور دستور جديد، ويمكن تطبيق ذلك على مجلس الشعب وعلى انتخابات الرئاسة القادمة أيضا.
نحن إذن أمام أوضاع مؤقتة لا يمكن الارتكان إليها للانطلاق إلى المستقبل، وما الصورة التى تظهر بها الحياة السياسية هذه الأيام إلا مجرد رتوش لرسم صورة المستقبل التى لم تجتمع القوى السياسية اللاعبة فى الساحة على تحديد ملامحها.
وحتى لا تكون الحياة السياسية عرجاء، ينبغى أن يكون هناك وحدة للهدف، والرجوع إلى دستور غير عقيم أو مختلط بماء النار التى تكوى وجه مصر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام هلال
هي دي مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد توفيق
عن اى دستور تتحدث؟