رغم تحفظاتى العديدة على المجلس الأعلى العسكرى الذى يقود السلطة ويوجه الأمور فى مصر، إلا أننى أسجل تحياتى وتقديرى للمجلس ولحكومة الجنزورى على موقفهما من قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، وأتمنى بصدق أن يكون الأمر حقيقة وليس تمثيلية، أومجرد ممارسة ضغوط مؤقتة للحصول على مكاسب أخرى ثم تعود الأمور لما كانت عليه.
عندما تأتى ملايين الدولارات من الخارج وتوزع على جهات معينة فى الدولة بعيدا عن رقابة السلطات الرسمية فإن الأمر جد خطير، خاصة وأن منظمات المجتمع المدنى فى دولة مثل مصر ليس لها أى نشاط ملموس فى خدمة الشعب ولا فى خدمة الديمقراطية المزعومة، وهذه المنظمات، وباعتراف السلطات الأمريكية الرسمية كان يتم تمويلها بالملايين خلال حكم الرئيس المخلوع مبارك، وكان النظام الحاكم على علم بكافة تفاصيل عملها، ولم نسمع مرة واحدة أنه اتخذ ضدها أى موقف، كما لم يسمع الشعب لهذه المنظمات أى صوت أو اعتراض ضد القمع والاستبداد الذى كان يمارسه نظام مبارك وأجهزته الأمنية ضد الشعب، ولو كانت هذه المنظمات تناضل بالفعل من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية لرأيناها فى طليعة الثوار فى ثورة 25 يناير، لكننا لم نسمع عنها سوى مؤخرا عندما شنت السلطات الحملات التفتيشية ضدها.
المبالغ المالية التى تحصل عليها هذه المنظمات من الخارج، وخاصة من واشنطن مبالغ كبيرة تقدر بعشرات وربما بمئات الملايين من الدولارات، وذلك حسب التصريحات الأمريكية الرسمية، ومثل هذه المبالغ لو أنفقت على خدمات شعبية حقيقية وعلنية لخرج الشعب نفسه ليدافع عن هذه المنظمات ويشيد بأمريكا، لكن ما يحدث يجعلنا نقولها صراحة أنها ليست قضية عمل مدنى بل قضية نشاط استخباراتى، إذ إن مثل هذه الملايين عندما تدخل للدولة بطرق غير معروفة وغير خاضعة للرقابة وتصل لجهات غير رسمية، وحتى جهات ومنظمات غير مسجلة قانونيا فى الدولة، وكثير منها منظمات أجنبية بحتة يديرها أجانب، فإن الأمر لا يمكن وصفه بشىء سوى التجسس والعمالة لجهات أجنبية ضد مصالح الدولة وأمنها.
من المعروف جيدا فى كل أنحاء العالم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبنى ولا تعمر، ولم نسمع من قبل عن مصنع أومستشفى أو مدرسة أو منشأة خدمية أو سد أو قناة أو طريق بنته أو عبدته أمريكا، لا فى مصر ولا فى أية دولة أخرى، وهذه سياسة أمريكية معروفة ومحسوبة، فخدمة الشعوب لا تفيد فى شىء فى السياسة والاستراتيجية الأمريكية، ولكن شراء الأنظمة الحاكمة والنخب هو الوسيلة الأفضل عند الأمريكان والأسهل بكثير، وهناك من الضعفاء من هم على استعداد تام لبيع ضمائرهم وأوطانهم وشعوبهم من أجل حفنة دولارات، وأمثال هؤلاء انتشروا فى مصر بشكل كبير فى عهد نظام مبارك، ونجدهم فى مختلف المجالات، فى السياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة وغيرها من المجالات، وهؤلاء فى رأيى أخطر بكثير ممن نطلق عليهم وصف "فلول النظام السابق"، ولا يمكن وصفهم بأقل من "العملاء".
نحن لسنا ضد العلاقات مع أمريكا، ولكن لتكن علاقات قانونية تقوم على مبادئ القانون الدولى التى تنظم العلاقات بين الدول، والتى من أهمها "احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية"، أما منطق "الكاوبوى" وسياسة "من ليس معنا فهو عدونا" فهى مرفوضة تماما عند أى دولة تحترم نفسها وتملك إرادتها وقرارها.
أتمنى بصدق ألا يتراجع المجلس العسكرى ولا الحكومة المصرية فى هذه القضية الخطيرة مهما كانت الضغوط، ولتذهب للجحيم كل المساعدات الأمريكية التى يعرف الجميع أنها لا تفيد الشعب والوطن فى أى شىء، ويكفى أن كل سنت فى هذه المساعدات لا ينفق إلا بقرار من واشنطن وفى المجال الذى يحدده الأمريكان، وإذا كان 1,5 مليار دولار مساعدات سنوية أمريكية لمصر يذهب منها 1,3 مليار لشراء سلاح من أمريكا، فهل هذه مساعدات أم أكذوبة فاضحة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
انفضح الخونة