ظللنا عقودا طويلة لا نعرف سوى التجديد التلقائى للقابض على السلطة من خلال الاستفتاءات الصورية التى يطرحها الزعيم أو الرئيس المؤمن أو المزمن على شعب لا يملك أن يقول لا، حتى جاءت اللحظة التى نفاضل فيها بين مرشحين متنافسين، على أساس البرنامج الانتخابى أو الاقتناع الشخصى أو تاريخ العمل السياسى.
نحن إذن أمام مرحلة جديدة فى الوعى السياسى وفى تشكيل الصورة النمطية للرئيس، لم تعد هناك فرصة لعودة الزعيم الملهم، أو الرئيس مطلق الصلاحية الذى لا يوجد بديل يحل محله، إن هو إلا موظف عام لدى الشعب ينتخبه لمهام محددة ويستطيع محاسبته، كما يستطيع إعفاءه من منصبه إذا لم يكن أداؤه مقنعا أو على المستوى المأمول.
هذه الصورة الجديدة التى تتشكل على مهل فى أذهان المصريين بعد الثورة، يحاول البعض الالتفاف عليها، ولا أعرف لماذا، لصالح الاقتراب من الصورة القديمة للرئيس الذى يحظى بالإجماع أو الأغلبية الكاسحة، وأعنى بذلك التوجه العام لدى النخبة السياسية ولدى بعض الدوائر الرسمية لاختراع ما يسمى بالمرشح التوافقى للرئاسة، هناك مثلا اتجاه معلن للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التى تضم كبار مشايخ السلفييين، للإعلان عن تسمية مرشحها التوافقى بين المتنافسين، والتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين حول الأمر، وهناك أنباء متواترة عن اتفاق بين المجلس العسكرى والإخوان على تأييد الدكتور نبيل العربى أمين الجامعة العربية مرشحا توافقيا، كما أن هناك توجها بين التيارات اليسارية لإعلان مرشحها التوافقى والأقرب حتى الآن، هو النائب أبو العز الحريرى، بل إن الأمر امتد إلى تيارات عرقية بعد الإعلان عن عقد مؤتمر للقبائل العربية على مستوى الجمهورية 9 مارس المقبل بمنطقة العبور بالقاهرة لاختيار مرشح توافقى للقبائل العربية فى انتخابات الرئاسة، ولم يعد ينقصنا إلا أن يمتد الأمر إلى الطوائف الدينية.
ما الضرورة لأن يكون لدينا مرشح توافقى لهذا التيار أو ذاك الفصيل؟ ولماذا الحرص على حشد وتجييش الأتباع لوأد فكرة الاختلاف وطمس الانحياز الشخصى؟ وهل فى الأمر نوع من استعراض القوة؟
الرئيس المنتخب لمصر يجب أن يكون ممثلا لكل المصريين حتى الذين لم يعطوه أصواتهم، وبالتالى فانتخاب الرئيس يختلف عن انتخابات البرلمان، وعلى النخب السياسية أن تبتعد عن سياسة الكتل التصويتية الاستعراضية وأن تدعو منتسبيها إلى اختيار البرنامج الأفضل، لا أن توجههم بالريموت.