لم أكن أتخيل فى اجتماعنا بمنطقة العامرية أثناء زيارة الوفد البرلمانى يوم الخميس الماضى لحل مشكلة قرية شربات بالنهضة أن أعيش هذه اللحظة الاستثنائية التى جعلت الأمل يستيقظ فى قلبى أن أرى هذا الوطن نسيجا واحداً حقيقة بالفعل لا الكلام.
جلسنا مع المواطنين الأقباط الذين حرقت منازلهم ومحلاتهم وقلنا لهم قولوا للوفد البرلمانى ما هى خسائركم وما قيمتها.. أجاب جرجس وهو أحد المضارين: لا تسألونى، أنا أفوّض الشيخ شريف الهوارى ليتحدث باسمى ويأتى لى بحقى!
تأملت فى وجه هذا الرجل الذى برز اسمه فى الإعلام إبان أزمة العامرية ووصفته بعض وسائل الإعلام بأنه الشيخ السلفى الذى قام بتهجير المسيحيين خارج القرية ويقوم ببيع ممتلكاتهم وألصقت به كثير من التهم تبين لنا على أرض الواقع أنها محض كذب وافتراء.
تنطق ملامح وجهه بالسماحة والصفاء والطيبة، تفيض من عينيه مشاعر ود وحب تحتضنك دون أن يلمسك، متواضع فى غير ضعف، وواضح بلا كذب ولا التواء، يتحدث فتشعر بأنه قد أدخلك فى قلبه لتتأكد من مطابقة لسانه لما فى قلبه.
يقدم الشيخ شريف الهوارى نموذجاً لرجل الدين الذى يتفاعل مع مجتمعه ودنياه، يأخذ من فضائل دينه وأخلاقه ليجعله واقعاً على الأرض يحياه الناس، فهمه لدينه أنه أصلاح لحياة البشر وحماية لهم من البعد عن الارتقاء الإنسانى.
أخبرنى عدد غير قليل من أقباط العامرية بأنهم إذا اختلفوا فما بينهم ذهبوا إلى الشيخ شريف ليحكم بينهم وينزلون على حكمه لما لمسوه فيه من عدل وإنصاف وحرص على أداء الحقوق لأهلها.
لذلك لم يكن غريباً على كبير الأقباط بالقرية ابسخروس أبوسليمان بعد أن حرق الأشقياء منزله وفكر فى أن يبيع ممتلكاته بالقرية خوفاً على أمنه وأمن عائلته أن يختار الشيخ شريف وكيلاً عنه لبيع هذه الأملاك ثقة فى نزاهته، وحين تناول الإعلام الأمر بدون تروٍ اتهم الشيخ بأنه يبيع ممتلكات أبوسليمان ليرغمه على الخروج من القرية.
كانت كلمات الشيخ شريف واضحة من البداية حين رفض أن يعاقب أى إنسان بذنب إنسان آخر وحين رفض مبدأ إخراج أى شخص من منزله وقال إن هذا مخالف للشرع والقانون والعرف وهذا ما انتهى إليه اجتماع الوفد البرلمانى الذى أصدر بيانا مهما أكد فيه على هذه القيمة وفتح الباب لعودة كل من خرجوا من بيوتهم بسبب التهديد وغياب الأمن وخوفهم على حياتهم، دون شرط ولا قيد زمنى.
بعيداً عن تفاصيل وملابسات حادثة العامرية لفت انتباهى ما علمته عن الشيخ شريف من أهل المنطقة مسلمين ومسيحيين، وأدركت ما هى قيمة أن يكون هناك قيادات شعبية حقيقية تمتلك احترام الناس وتقديرهم وثقتهم، لذلك يسمع لها الناس ويحترمون قرارتها التى تكون للصالح العام وليس الشخصى ولا الحزبى.
يستطيع أى مسؤول أو رمز سياسى أن يطرح حلولاً دون أن يملك القدرة على جعلها واقعا على الأرض ولا يمتلك هذه القدرة إلا صاحب تراكم وبذل وعطاء متواصل استطاع أن يحفر فى قلوب الناس مكاناً لا يهتز لذلك فهم يسمعون له ويقدرون رؤيته.
إننا نرفض اقحام الدين فى السياسة بالشكل الذى يسىء للدين وقداسته، ولكننا نثنى ونثمن التداخل الإيجابى للدين وقيمه وتعاليمه فى حياة البشر وفى العمل العام وفى خدمة المجتمع.
قدم الشيخ شريف – من وجهة نظرى – نموذجاً جيداً يستحق التحليل والتأمل لدور رجل الدين الذى يتفاعل مع مجتمعه ولا يجلس فى محرابه وبين كتبه، تاركاً ما حوله يحترق، كما رسّخ فكرة تكامل الشرع والقانون واحترام العرف بما لا يخالف القانون ولا الشرع. علينا أن نشير بالإنصاف وبالشكر دائماً، لكل شخص ينفذ ما فهمه من دينه وما تربى عليه من أجل أن يساعد مجتمعه على الارتقاء الإنسانى والتخلص من بواعث الشر ووأد الفتن ولئن ظلم البعض هذا الرجل فإن الله حسيبه وهو يجازيه بالخير ولو أجحفه البشر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
برافو النجار
مقال محترم من شخص منصف
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو
جزى الله الشيخ شريف الهوارى خير الجزاء
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدى العطار
مصطفى النجار
عدد الردود 0
بواسطة:
د. احمد عامر- السويد
مثال الاسلامى الجيد والليبرالى الجيد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
ما أجملك يا دكتور مصطفى وما أحسن أخلاقك .. ولكن...
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد بن سامى
جزاك الله خيراااااااااا
عدد الردود 0
بواسطة:
إسلام
منصف
جزاك الله كل خير دكتور مصطفى النجار
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم
الدين والسياسة
عدد الردود 0
بواسطة:
DANDY
كانت ليلة سيئة بالنسبة لي عندما علمت فوزك على د. يسري
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود سيد
جزاك الله خيرا