على صفحات فيس بوك، سأل أحدُهم سؤالاً أعتبرُه من أكثر الأسئلة الوجودية تجاوزًا للمنطق، لكنه على ذلك، السؤال القادر على سبر الواقع فى عمقه السحيق، وضع السائلُ صورة ممحاة «أستيكة»، وكتب تحتها: «بالأستيكة دى، كل واحد يقول عاوز يمسح إيه من ذاكرته؟»
العبقرية لم تتوقف عند السؤال، بل امتدت إلى الإجابات التى طرحها المتصفحون، اخترتُ بعضها لنقرأ سويًّا نبض الشارع المصرى ومعاناتهم، بوسعنا معرفة الحُلم ليس وحسب مما يتمناه المرءُ، بل أيضًا مما يرفضه، يقول ماهر: «نفسى أمسح دمعة كل أم على ابنها الشهيد، وأمسح بجسدى كل فتنة فى مصر، ومش مهم أعيش»، وقال وجدى صادق: «نفسى أمسح مشاهد بعد الثورة، زى دهس أقباط مصر أسفل المدرعات بفعل أشخاص يحملون الجنسية المصرية ومشهد سحل بنات بلدى على يد أبناء الجيش المُغيبين، ومشهد قتل أنبل الثوار مينا دانيال والشيخ عماد عفت. نفسى أمسح خانة الديانة من بطاقتى أنا بحب ديانتى، لكن شايف إن عبادتى أمر شخصى، نفسى أمسح القبح، وأى شخبطة اترسمت على وجه مصر الجميلة». وقال سامر جميل: «أمسح دموع كل أم فقدت ابنها فى الثورة وعمق جرحها من ناس بتقول عليه مش شهيد!». وقالت راندا لويس: «أمسح كل ظلم واستعباد شفته فى بلدى، أمسح الإهانة اللى صابتنى لما العساكر اللى مفروض يحمونى عرّوا أختى وسحلوا رائف وفقأوا عين أحمد حرارة وغيره، ورموا جثث الشهداء فى صناديق القمامة وولعوا وخربوا فى بلدى واتهموا الثوار بالتخريب، وكمان نفسى أمحو ذكرياتى المؤلمة فى حصة الدين بالمدرسة. كم كنا نشعر بالإهانة عند خروجنا من الفصل لا نجد أى مكان نأخذ به حصة الدين حتى يرسو بنا الحال للركن فى حوش المدرسة!». وقال أحمد: «نفسى أمسح من ذاكرة مصر الجهل والتخلف واللعب بعقول الناس باسم الدين، وأمسح المتعصبين اللى بيكرهونا فى بعض وأولهم الشيخ اللى بيعترف علنًا إن قلبه ملىء بالبغض لإخوتى الأقباط!». هانى ويصا: «أمسح الكراهية من ذاكرة كل المصريين». وقالت هاجر: «عاوزة أمسح الضلمة». شيماء: «نفسى أمسح كل حزن على وشوش الناس»، وقال نشأت كيرليس: «أتمنى مسح كل الخطايا والشهوات»، وقال هانى سوريال: «عايز أمسح كل معلومة غلط اتقالت لأولادنا فى المدارس والكنائس والمساجد، ونفسى أمسح من فكر أى طفل لما يلعب مع ابنى أول يوم فى الدراسة السؤال ده: إنت مسيحى ولا مسلم؟ ولما ابنى يقوله: أنا مسيحى، مايقولوش: إنت مسيحى ليه؟». مدحت المصرى: «أمسح تاريخ ما بعد انقلاب 1952»، مارى رمزى: «عاوزة أمسح كل شر موجود فى العالم»، نيفين أيوب: «أمسح مجلس الشعب الحالى لأنه لا يعبر عن الفكر الثورى»، وقال المهندس ممدوح ردًّا على من أراد مسح اسم «مبارك» من بين رؤساء مصر: «ليس من حقنا مسح التاريخ، ولكن علينا التعلم منه، بألا تأتى الغالبية بفرعون جديد»، وقالت تريزا: «أمحو من حياتى كلمة: مستحيل»، وقال هانى يوسف: «عاوز أمسح يوم 19/3/2011 ونعيد الاستفتاء سبب كل الكوارث اللى احنا فيها دلوقتى، نعم اللى قالوها حبايبنا الحلوين خربت البلد وقعّدت العسكر على قلوبنا تانى!». وقالت ونس: «أنا بقى مش عاوزة أمسح أى حاجة من التاريخ، لأنه اتكتب بدم ناس كتير شريفة قاوموا الفساد بدمهم، والأجيال الجاية لازم تعرف كم الفساد اللى حاربه الشهدا، بس ممكن أمسح أى حاجة فى المستقبل ممكن تمسح اسم الشهداء». وقال مالك: «يعنى كل واحد فينا عاوز يمسح حاجة متألم منها، محدش فينا ليه فكر يمسح حاجة آلم بها حد. أنا تسببت فى ألم ناس كتير ياريت الزمن يرجع وأقدر أمسح ألمهم».. فقالت إيمان: «الأستيكة مش حتنفع، لازم الورقة تتقطع ونبتدى من جديد على أصول».