هناك حكمة قديمة تقول: الولاء لدافع الأجر..وفى بلاد الخليج العربى يقولون: من يأكل تمرى يأتمر بأمرى، وهذا معناه أن من يقدم لك مساعدات فإنه يستهدف تحقيق أغراضه وليس لوجه الله تعالى، وهذا الحديث بمناسبة انقضاض الحكومة المصرية مؤخرا على الجمعيات الأهلية فى مصر التى تتلقى مساعدات أمريكية، وهذا يجرنا إلى متابعة السياسة الأمريكية فى هذا الخصوص والتى بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حين قال الرئيس الأمريكى هارى ترومان «آن لأمريكا أن تقود العالم».
وتحقيقا لهذا الهدف بدأت سياسة احتواء القوى الصغرى لمواجهة الاتحاد السوفيتى فيما عرف بالحرب الباردة، وكانت إحدى وسائل أمريكا فى الاحتواء تقديم المعونات من كل نوع، حتى أطلق خصوم أمريكا على هذه السياسات «دبلوماسية الدولار»، وكان الغطاء القانونى لهذه المساعدات مشروع مارشال «لإعمار أوروبا» «1947» والنقطة الرابعة «1949»، ومنظمة الثقافة الحرة «1950»، واتفاقية فائض الأغذية «1954».
ولقد وقعت كثير من الدول الصغرى فى شباك هذه المعونات، فضاعت شخصيتها المستقلة، وكمثال له مغزاه أن تيتو رئيس يوغوسلافيا قبل مشروع مارشال فبادر ستالين بفصله من الكومنيفورم، ورحلة احتواء أمريكا لمصر قديمة، بدأت مع ثورة يوليو 1952 حين عرضت تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية طويلة الأجل بشرط انضمام مصر إلى الأحلاف التى ترتبها أمريكا لتطويق الاتحاد السوفيتى «حلف بغداد».وفى سبتمبر 1960 عرضت مد مصر باحتياجاتها من القمح مقابل مرور إسرائيل بقناة السويس، وفى مارس 1967 تكرر العرض مقابل انسحاب مصر من اليمن، وتسريح جزء من الجيش المصرى، والعدول عن صناعة الصواريخ. لكن عبدالناصر رد قائلا: نحن لا نبيع استقلالنا من أجل القمح، أما فيما يتعلق بمحاولة احتواء مصر عن طريق الجمعيات الأهلية، فتعود إلى ستينيات القرن العشرين، عن طريق تقديم تبرعات ومنح دراسية وتدريبية لهذه الجمعيات، ومن هنا صدر القانون 32 لسنة 1964 بعدم قبول تبرعات أجنبية إلا بعد موافقة الحكومة.
والحقيقة أن العمل الأهلى فى مصر قديم ويعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، ففى عام 1892 تأسست أولى هذه الجمعيات باسم «الجمعية الخيرية الإسلامية» لرعاية شؤون المحتاجين أساسا، حيث أنشأت مدرسة ومستشفى بأموال المتبرعين من الأغنياء وسارت الجمعيات التالية على نفس الدرب. غير أن الحكومة الأمريكية، خاصة مع الربيع العربى، وجدت الفرصة مواتية لاحتواء مصر حتى لا تفلت منها، فأقدمت على تدعيم جمعيات حقوق الإنسان وهى حقوق مطلقة تشمل أشياء كثيرة فى السياسة وغير السياسة، وخاصة بشأن غرس قيم الثقافة الأمريكية فى المجتمع المصرى ضد التقاليد، ومن العجب أن رؤساء هذه الجمعيات فى مصر يقبلون المعونات ولا يلتفتون إلى خطورة مراميها.
وفى معرض الدفاع عن هذا السلوك، قيل إن الجمعيات الأهلية فى المجتمع الأمريكى تتلقى مساعدات وتبرعات دون أن تتهم بالعمالة، فلماذا فى مصر تصبح عميلة؟ لكن هؤلاء لا يعلمون أن الجمعيات الأمريكية لا تقوم بنشاط يتناقض مع سياسات الإدارة الأمريكية، لأنها جمعيات تختص بالرعاية الاجتماعية وتهتم بمسائل محددة لا تكون فى برامج الأحزاب مثل: الجمعية الوطنية للرماية، وجمعية حق الحياة ضد إباحة الإجهاض، وجمعيات الدفاع عن المستهلك..إلخ، وتنفق من أموال المتبرعين على نشاطها للتأثير فى الرأى العام ولاستصدار التشريعات اللازمة، ومنذ عام 1946 فرضت الحكومة على هذه الجمعيات أن تقدم كل ثلاثة أشهر بيانا للكونجرس بالإيرادات وأوجه الصرف، لكن فى مصر- وهذه إحدى مشاكلنا- أننا فى محاكاتنا للآخرين نأخذ قطعة من التقليد ونترك الباقى فتصبح الصورة لدينا شوهاء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم احمد
السودان لا يقهر