صدق أبوالطيب المتنبى الشاعر العربى المسلم عندما قال فى أحد أبيات شعره منذ أكثر من ألف عام: «أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»، وبالمناسبة كان يوجه قصيدته للمصريين فى عهد حكم كافور الأخشيد، الذين انشغلوا بحف الشوارب وإطلاق اللحى عن مقاومة الظلم والاستبداد والفقر والجوع التى كانت تعانى منه البلاد فى ذلك الوقت.
توقع المتنبى أن يعيد التاريخ نفسه فى مصر بعد ألف عام وينشغل المصريون أو بعض الفئات والشرائح الاجتماعية فيهم بقضية إطلاق اللحى وحف الشوارب واعتبارها هى «غاية الدين» ومقصده وقضيته الكبرى وما دونه من قضايا المجتمع المصيرية فى هذه الظروف الصعبة مجرد فروع وليست هى الأصل والغاية.
ولو كان المتنبى حيا وشاهد تفاصيل «موقعة الذقن» لبعض ضباط الشرطة الذين اعتبروا أن إطلاق لحاهم هى الأولى والأجدى من بذل الجهد والإخلاص فى العمل من أجل إعادة الأمن والاستقرار ومواجهة البلطجية والقضاء على مظاهر العشوائية، وشغلوا الناس بقضية اللحية حتى صارت قضية مجتمعية اضطرت وزارة الداخلية معها إلى اللجوء إلى دار الإفتاء لمعرفة حكم اللحية فى جهاز الشرطة.
ومثلما كان استياء عدد كبير من الناس من إثارة قضية اللحية فى الشرطة، أبدت دار الإفتاء استياءها الشديد أيضا من حالة الجدل السائدة حول حكم إطلاق اللحية، وطالبت مثلما طالبنا من قبل بضرورة الالتزام بقوانين العمل وبالتقاليد التى درج عليها أفراد الشرطة فى السلوك والمظهر، فلا يجوز فى هذا التوقيت الصعب أن تتحول مسألة إطلاق اللحية إلى قضية مجتمعية وتأخذ حيزا من الجهد المجتمعى بدلا من توجيه هذا الجهد إلى قضايا الأمن والبناء والتنمية التى يحتاجها المجتمع الآن.
الفتوى واضحة وقاطعة وعلينا الالتزام بها حتى نتفرغ لقضايا أهم، وإلا فإن الشعب الذى ثار من أجل الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية سيثور من جديد على كل من يحاول أن يعرقل مسار ومصير ثورته نحو الحرية والديمقراطية الصحيحة، وليس نحو حف الشارب وإطلاق اللحية، ياسادة عندما نحقق كل ما نتمناه لبلدنا ومجتمعنا فليطلق كل فرد فى المجتمع ما يريده سواء شعر ولا دقن ولا أى حاجة.. «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم».