محمد محمود مهدى

قصَّتنا أخلاقية

الخميس، 23 فبراير 2012 09:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اتفق علماء الاجتماع على أن رفعة وعلو المجتمعات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى تمسك مكونات المجتمع بالمنظومة الأخلاقية القيميَّة التى تحكمه، إذ يُعتبر ترسيخ وجودها فى المجتمع من علامات التقدم والازدهار المجتمعى، وكذلك صمام أمان ضد أى تقلبات أو تغُيرات سلبية قد تطرأ فى المستقبل القريب أو البعيد.

بيد أن افتقاد المجتمع لمنظومته القيمية يؤدى إلى تصدعه ومن ثم انتشار الأمراض المجتمعية المختلفة داخله، والفترة الماضية حملت دلائل عدة بأن النظام السابق أفقد مصرنا الغالية كثيرًا من منظومتها الأخلاقية القيمية، فعلى مستوى الأفراد أحدث تحولاً كبيرًا فى شخصية المواطن المصرى، الذى أصبح وفقًا للعديد من الدراسات الاجتماعية أكثر سلبية وعدوانية من ذى قبل، وكذلك أقل ثقة بنفسه بل وأكثر اعتمادًا على غيره فى كثير من الأمور، ودائمًا ما يلجأ إلى تضخيم ذاته إلى حد المبالغة التى لا يقبلها الآخرون، وأصبح الالتزام الخُلقى لديه مجرد ذكريات من الماضى، والمؤسف أن هذه الصورة السلبية انتقلت بانتقاله إلى مختلف البلدان التى يقطنها للعمل.

أما على المستوى المؤسسى، فقد استطاع النظام الفائت وببراعة فائقة جعل الفساد منظومة منهجية لها قواعد وأسس متبعة فى كل مؤسسات الدولة بلا استثناء، فأذكر أننى بعد الثورة علمت من أحد الأصدقاء أن زميلاً لنا تخرج فى أحد الكليات العملية قد حالفه التوفيق وعمل بأحد المؤسسات الوزارية فى الدولة ففرحت له كثيرًا، ولكن علمت فى الوقت ذاته أنه مقابل وظيفته الجديدة هذه دفع مبلغًا من المال يعادل مرتبه مدة عامين ونصف كاملين من وظيفته الجديدة، وعندما أبديت دهشتى انهالت علىَّ عشرات الحكاوى عن أن هذا هو الأسلوب المتبع فى الحصول على الوظائف الحكومية قبل وبعد الثورة، وذلك إذا لم يتوفر الحل الآخر من - وجهة نظرهم - وهو طريق الوساطة والمحسوبية.

والأمثال الشبيهة بما قلناه سلفًا كثيرة، فمن منا ليس له أقارب أو معارف حصلوا على وظائفهم بهذه الطريقة أو غيرها من الطرق سيئة السمعة، وبالتالى ما المتوقع من شخص حصل على وظيفته بهذه الطريقة؟، الإجابة أنه يعمل ولكن وفقًا لما يُملى عليه من رؤسائه فى العمل، وبالطبع يفتقد إلى روح الإبداع والابتكار والمهنية فى عمله لأنه غير أهل لهذا العمل، وخير دليل على ذلك مؤسسة الشرطة المصرية، هذه المؤسسة العريقة التى دمرها النظام الفائت، إذ لا يعرف كثيرًا من منسوبيها الآن كيفية التعامل مع المجرمين أو حتى التفرقة بين الصالح والطالح من المواطنين، وتحولت من مؤسسة خدمية فى الأساس تقوم على توفير الأمن للأفراد إلى مجرد أداة سلطوية فى يد من يمتلك أدواتها بدءًا من الغفير النظامى مرورًا بالضباط وأمناء الشرطة انتهاءً بوزير الداخلية ورأس النظام.

ناهيك عن باقى مؤسسات الدولة بخاصة الإعلامية والتعليمية منها، ففى الأولى بجانب أن النظام كرس لفكرة إعلام النظام، خلق إعلامًا مليئًا بالدخلاء على المهنة وحسب تقديرى هم ممن أفسدوا علينا فرحتنا بالثورة، وفى الثانية هناك آلاف المدرسين تم تعيينهم بالتقادم وغالبيتهم ليس لهم علاقة بالتعليم لا من قريب أو بعيد بل هم خريجو المؤهلات المتوسطة أو فوق المتوسطة!، أما التعليم الجامعى فيبدو أنه حتى هذه اللحظات لم يُدرك أو يعى بعض منسوبيه بوجود ثورة أو يعتقدون حدوث الثورة ولكن فى بلد آخر مثل "أوغندا أو موزمبيق"، فلازالت الكوادر الجامعية تُختار فى أماكن معينة بطريقة مطلوب سكرتيرة طولها كذا وعرضها كذا واسمها كذا!.

وفيما يبدو أن ما حدث بفعل فاعل من فراغ قيمّى داخل المجتمع المصرى، قد يستغرق وقتًا طويلاً لملئه من جديد، كما أنه قد يُفسر لنا أيضًا أسباب عدم الإحساس بالتغيير بعد الثورة، لأن أغلب المسيطرون ومن بيدهم تيسير أمور المواطنيين هم عصب وصلب النظام القديم، لذا فإن ما نريد تغييره هى العقول التى تربت ونشأت فى كنف وعلى نهج النظام القديم ولازالت تمارس الألاعيب والحيل ذاتها للحصول على مآربها الضيقة.

ورغم ذلك كله، فإنه إذا أردنا النهوض والتقدم بمصر بعد ثورتنا المجيدة علينا ما يلى:

أولاً: الاعتراف بأننا افتقدنا على مدار الثلاثين عامًا الماضية كثيرًا من المنظومة القيميّة التى كنا نعتز بها كأحد سماتنا الرئسية وكانت هى الحكم لسلوكياتنا منذ آلاف السنين، وذلك على اعتبار أن الاعتراف بالمشكلة نصف الحل.

ثانيًا: التيقن بأنه لم يعد لدينا ضوابط حقيقية وجادة تضبط المنظومة الأخلاقية برمتها، فالقوانين والقواعد أصبحت عاجزة عن ضبط سلوكيات الأفراد والمؤسسات كلٍ على حدة، كما أن إلزامية وقيمة المنظومة العُرفية أصابها العُطب وعدم القدرة على إلزام الأشخاص بالقيم المجتمعية السائدة، وبالتالى لابد من الإسراع فى تفعيل الضوابط الحاكمة والتشريعات الأزمة لضبط سلوكيات المجتمع.

ثالثًا: البحث عن الكوادر فى كافة المجالات لترقيتهم وإعطائهم الفرصة الحقيقية للعمل وفق المنظومة الجديدة.

رابعًا: أن يبدأ المجتمع المدنى الآن وليس غدًا دوره فى إحياء القيمّ لدى المصريين، التى ردم عليها النظام السابق أكوامًا من التراب طوال الثلاثين عامًا الماضية.

خامسًا: تكثيف عملية التدريب داخل كافة مؤسسات الدولة تحت إشراف مدربين متخصصين كل حسب المجال المطلوب لإعادة هيكلة أدمغة العاملين فى المؤسسات الحكومية، وأخيرًا نريد ألا يتأخر التغيير كثيرًا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة