أعتقد أن طرح فكرة الرئيس التوافقى فى هذا التوقيت له معنى ودلالة كبيرة لا يعرف أحد مداها سوى المجلس العسكرى الذى يحكم البلاد، خاصة أن الموعد الرسمى الذى حدده المجلس لكى يترك مقاليد إدارة البلاد قد اقترب- بعد ثلاثة أشهر تقريبا - وسوف يقوم بعدها بتسليم السلطة لرئيس مدنى يختاره الشعب فى انتخابات حرة ديمقراطية.. والمرشح التوافقى كما هو معلن هو اتفاق بين فئات من السلطة الحاكمة فى الداخل وبين القوى العالمية فى الخارج، وبالتالى فهذا لا يعتبر توافقًا سياسيًا مجتمعيا و إنما تآمر سياسى متعمد لا يريد الخير للبلاد، وبالتالى فهو "تواطئى".
فكما يقولون فى لغة الأدب بأن المعنى فى بطن الشاعر، فالشاعر هنا هو المجلس العسكرى الذى يريد أن يترك السلطة فعلا، ولكنه فى الوقت نفسه يريد ضمانات للخروج الآمن له أى عدم محاسبته عن ما سلف، فهو أولا وأخيرا كان جزءا لا يتجزأ من النظام السابق، واستمر حكمه للبلاد أكثر من عام لم يحقق فيها شيئا تقريبا سوى انتخابات برلمانية استولى عليها تيار الإسلام السياسى فى البلاد، وقليل من المال كتعويض لبعض أهالى الضحايا من شهداء ومصابى الثورة، ولم يحقق طموحات ولا أهداف الثورة الحقيقية التى ضحى من أجلها خيرة شباب ورجال مصر من أجل أن تنال بلدهم الحرية من عبودية نظام مبارك، فلم تتحقق مثلا أهم الأهداف وهى العدالة الاجتماعية فى البلاد، ولم يتم القضاء على الفلول من رجال الحزب الوطنى الذين يخرجون ألسنتهم للشعب المصرى نهارا جهارا ولا يزالون يتربحون من المال العام والخاص، ولم تتحقق العيشة ولا الكرامة الإنسانية وأشياء أخرى كثيرة، حتى أصبح المجلس العسكرى هو العقبة الأولى، فى تحقيق أهداف الثورة، ومن ثم كان دعوة الحركات والائتلافات لإنهاء حكم العسكرى فورا والعودة إلى مهامه الأساسية فى حماية البلاد من أعداء الخارج والداخل.. وفكرة الرئيس التوافقى نحن نرفضها تماما ولا نقبلها فى ظل ما يسمى بالإقبال العشوائى على الترشيح لرئاسة الجمهورية من أفراد أطلق عليهم الإعلام بالمرشحين المحتملين وسعى كل تيار دينى وسياسى إلى ترشيح ما يمثلهم أو ينوب عنهم والذى يتوافق مع مصالحهم وحماية شبكات علاقاتهم التى تمتد داخل شرايين الدولة والاقتصاد، أو مرشح يوافق أذواقهم ومصالحهم، وليس مرشحاً يوافق مصالح الشعب كله بمختلف فئاته ومستوياته، بالإضافة إلى الاختلاف الرهيب بين التيارات المختلفة فيما بينها على شىء واحد تجعل اختيار مرشح توافقى هو أمر مستحيل.. وأتوقع أن تحدث صراعات عندما يتم اختيار لجنة المائة لتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد للبلاد.. وقد يكون ترديد شائعات يتناولها الإعلام والفضائيات مثل ترشيح البعض من الشخصيات للرئاسة مثل الوزير السابق منصور حسن وبعدها أمين الجامعة العربية نبيل العربى وتدعيمهم من المجلس العسكرى هو نوع من بالون الاختبار من المجلس لكى يعرف رد فعل الشارع المصرى حول هذا المرشح أو ذاك..
نحن نريد مرشحا ينتخبه الشعب فى انتخابات حرة نزيهة تعبر بحق عن ثورة شعب راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل وآلاف من المصابين، وهى الانتخابات الحقيقية الأولى فى التاريخ الانتخابى المصرى منذ بداية انتخاب الحاكم فى دولة صاحبة الثورة العظيمة والحضارة الممتدة لأكثر من 7 آلاف سنة.. ولا يمكن لأى جهة أن تفرض وصايتها على الشعب المصرى صاحب الشرعية الحقيقية ومصدر السلطات، فقد ولى زمن العصابات والديكتاتور دون رجعة، فلابد من احترام إرادة الشعب صاحب الثورة والنضال التاريخى وتنفيذها على الفور بعد أن عاش عقودا مديدة دون إرادة حقيقية له فى أى شىء!!