«الرئيس التوافقى» مصطلح طلع علينا فى الأسابيع الأخيرة، ويجب أن نقلق منه. الرئيس التوافقى يعنى أننا لن نكون إزاء انتخابات حقيقية بين متنافسين يختار بينهم الناخب، لكننا إزاء عملية استفتاء، ويمكن القول إن رؤساء مصر جاءوا بهذه الطريقة، من قبل كان أنور السادات رئيسًا توافقيًا فى نوفمبر سنة 1970 بعد وفاة الرئيس عبدالناصر المفاجئة، وتصور رجال عبدالناصر وقتها أن «السادات» هو الأنسب للحظة العابرة، وبعدها يكون لكل حادث حديث، وفى 15 مايو 1971 أطاح بهم السادات جميعا ووضعهم فى السجن، وبقى رئيسا لآخر يوم فى حياته.
كان مبارك رئيسًا توافقيًا تم التوافق عليه بعد اغتيال الرئيس السادات، ورغم إدراك كثيرين لضعف قدراته السياسية، فإنهم قرروا أنه الأنسب ليعبر بمصر الأزمة التى حدثت فى سبتمبر وأكتوبر 1981، ورحبت النخب السياسية يومها به وساندته.. واليوم فإن المشهد يتكرر، ولكن فى سياق آخر. هناك رغبة ملحة لعبور الفترة الانتقالية، وأن يكون لدينا رئيس جمهورية معروف ومحدد قبل خوض الانتخابات، أى أننا إزاء عملية استفتاء وتكرار لما سبق، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت!
حكاية «الرئيس التوافقى» قد تحمل عند البعض معنى آخر، يجب أن نقلق منه أيضًا، وهو أن منصب رئيس الجمهورية سوف يكون مجرد واجهة سياسية أو ديكور فقط، نستكمل به معالم النظام السياسى، على طريقة رئيس سويسرا، ورئيس ألمانيا، فضلاً على رئيس إسرائيل، أو رئيس العراق حاليا، وهذا يعنى أن هناك من قرر أو يريد أن يكون نظامنا نظاما برلمانيا، ونحن لم نتفق على ذلك النظام بعد ولم نرتضِه، وهذا يكشف عمق المشكلة، إننا ندخل انتخابات الرئاسة بلا دستور يحدد هوية الدولة وهوية النظام السياسى، صحيح أن لدينا إعلانا دستوريا نعمل به، لكن هذا الإعلان سوف يُبطل بصدور الدستور الدائم.. والمجىء برئيس توافقى يعنى أننا نحدد سلفا للجنة الدستور شكل النظام السياسى الذى سوف يفكرون فيه ويتم اختياره.
ويبدو أننا لسنا على استعداد لاحتمال نتائج الديمقراطية وقبول مفاجآتها برضا تام، حتى وإن خالفت ميولى وأهواء بعضنا، لذا نحاول الالتفاف عليها، والحق أن تاريخنا الحديث كله يمكن تلخيصه فى كلمة واحدة هى: «الخوف من الحرية»، يطالب بعضنا بالحرية السياسية، لكنه يمتعض من الحرية الاجتماعية، وقد يزدرى الحريات الخاصة، وهكذا الحال بالنسبة للديمقراطية، نطالب بها ونريدها، لكننا مع الخطوات الأولى نحذرها ونتخوف منها، وتظهر بيننا أفكار وخطوات من عينة الرئيس التوافقى، ويقدم عليها بعضنا بضمير مستريح ديمقراطيا!
أفهم أن يعلن عن مرشح توافقى، وأن يعلن بوضوح الأطراف التى توافقت عليه، ليكون معبرا عنها وممثلا لها، أما أن يكون توافقيا فى المطلق، فهذا يعنى أن الكل أو الجميع توافق عليه، ومن ثم لا يكون هناك معنى للانتخاب ولا للترشح، بل نكون إزاء لعبة معروف مسبقا من الخاسر ومن الفائز!
التوافق وارد بين قوتين أو تيارين، وربما مجموعة قوى، شريطة أن يكون ذلك علنيا وبشفافية تامة، وأن يكون واضحا ومعلنا أن المرشح فى هذه الحالة توافقى بين «س»، و«ص»، و«ع»، وهكذا، لكنه ليس توافقيا للجميع، ومن ثم ليس ملزما للجميع، بل هو معروض على الناخب وعلى الأمة لتقبل به أو لترفضه.
أدرك جيدا أننا بلا خبرة كبيرة وعميقة فى الانتخابات الرئاسية ولا خبرة ديمقراطية، ويمكن أن نعتبر ما يجرى بيننا من قبيل أخطاء البدايات، وليس بالضرورة تآمرات الظلام، لذا لابد من الشفافية والإعلان عن كل شىء، ليمكن تدارك الأخطاء فى بداياتها، حتى لا تكبر وتولد حولها أخطاء أخرى ثم تتحول إلى الكارثة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
المهندس
اعتصام
عدد الردود 0
بواسطة:
د. أحمد فؤاد
تمام جدا للغاية
اتفق تماما وبشده مع ما ذهبت إليه يا مبدع يا كبير