ما أجمل الذكر وما أروعه وما أعذبه فى الروح والفؤاد!! إنه رحيق من الجنة يسكر العاشق الذاكر لله العظيم، رب الوجود، فهو المعبود، إنه الكمال الكامل والجمال الخالص والنور الأتم والرحمة الغامرة، إنه صاحب القدرة الفاصلة والعطاء الكامل، إنه فرد حى قيوم دائم الوجود سرمدى صمد.
كل الأرواح تحن إليه وتسعى إليه، وتسجد له العقول والقلوب والأبدان. يقوم به كل شىء، وهو قائم بذاته، لا يعلم ذاته إلا ذاته. خضع كل شىء لهيبته وجبروته وأحبه كل شىء لرحمته وحبه لخلقه ولطفه بهم ومغفرته لهم.
سبحانك ربى ما أكرمك!! قلت وقولك الحق - فى الحديث القدسى -: «أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه حين يذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى..» يا له من عز وشرف!! ولا يذكر الله سبحانه وتعالى إلا المحب العاشق فيكون الله سبحانه وتعالى فى قلبه وعلى لسانه وفى فكره، ويستهدفه فى أفعاله الصغيرة والكبيرة الظاهرة والخفية.
العاشق يسهر الليل فى العبادة مناجيًا ومنشدًا بحب ربه تاليًا القرآن العظيم وهو فى نشوة من لحظات القرب من الله رب القلوب والبدن ورب الإنس والجان باكيًا من فرحة القرب.
ليس مع الله العظيم غربة، إن الغربة الحقيقية هى فى البعد بالانشغال بالدنيا بصورة مرضية تهدم ولا تبنى، تضر ولا تصلح، أو بارتكاب المعاصى التى تحجب الإنسان عن الأنوار العلوية الربانية.
إن المعاصى هى نار تأكل، بل تلتهم، الأرزاق، فى كل صورها، الأرزاق المادية والمعنوية والروحية والنورانية السماوية. أما ما يطفئ أنوار القلوب فهو الشرك بالله سبحانه وتعالى، ويبعد الإنسان عن ربه ويخرجه من النور إلى الظلمات، أى إلى الهلاك الخفى فى الدنيا، وإلى الهلاك الجلى فى الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحث البشر البسطاء على حب الله العلى القدير: «أحبوا الله لما يغدقه عليكم من نعم، وأحبونى لحب الله، وأحبوا أهل بيتى لحبى». وقال سيدى محمد بن إدريس، رضى الله عنه، مستشهدًا بالقرآن» والذين آمنوا أشد حبّا لله»، وذلك لأن الذين آمنوا يحبون الله سبحانه وتعالى لذاته، لقد عشقوا ذاته وصفاته، وسعوا إليه بكل ما أوتوا من قوة قلبية وروحية، وهزموا الشهوات الدنيئة. لقد سمع سيدى الشبلى رضى الله تعالى عنه جملة: «اسع ترَ برى» بكى وتواجد لأن الجملة تعبر عن الجود الإلهى على عباده إذا سعوا إليه. اللهم اجعلنا من أهل الذكر لنكون فى المعية القدسية. آمين.