أُهدى ابنى «عمر» هذه القصة فى عيد ميلاده 26 فبراير، رغم أنه لن يقرأها، كما أُهديها لكل مَن يظن أنه الأقلُّ حظًّا فى الحياة. يقول أحدهم: «كنا فى حفل جمع تبرعات لمدرسة أطفال معوّقين فى أمريكا، فقام والد أحد التلاميذ، وطرح سؤالا: «كل ما فى الطبيعة يسير وفق نظام كامل الإتقان، لكن ابنى غير قادر على العيش مثل الأطفال الآخرين، فأين النظام المتقن فى الكون فيما يتعلق بابنى؟!» وبُهت الحاضرون، واستطرد الأب: «حين يقدم إلى الدنيا طفلٌ يعانى عجزًا فى قدراته الجسمانية أو العقلية، يتجلّى الاتقانُ فى الطبيعة، فى أسلوب تعامل الآخرين مع ذلك الطفل».. ثم قص علينا قصته. «مررنا بملعب حيث كان أولاد يلعبون «البيسبول». وسألنى ابنى: «هل تظنهم يسمحون لى باللعب معهم؟» وكنت أعلم أن لا أحد يرغب فى اللعب مع معاق. ولكنى كأب تمنيتُ أن يسمحوا، لأن ذلك سيعزز شعوره بالانتماء، ويمنحه بعضَ ثقة فى أن الناس يقبلونه رغم إعاقته.
«واقتربتُ مترددًا من أحد الأولاد وسألته.. ودار الولد ببصره، ثم قال: «نحن خاسرون فى ست جولات، والمباراة فى دورتها الثامنة. دعنا نُدخله فى التاسعة» وتهادى ابنى بمشيته المُعاقة إلى دكّة الفريق، ولبس الفانلة بفرح. ورحت أرقبه بدمعة تخاتلُ عينىّ، ودفء يغمرُ قلبى.. وتحسن وضع فريق ابنى خلال الجولة الثامنة، ولكن ظل الخصمُ متفوقًا بجولات ثلاث. ومع بدء الجولة التاسعة سلّموا ابنى قفازًا وبدأ اللعب. ورغم أن الكرة لم تأته، إلا أن سعادته وحماسته كانتا واضحتين لمجرد وجوده بالمباراة. وتشاسعت ابتسامتُه وأنا ألوّح له وسط المشجعين. وأحرز فريقُ ابنى نقاطًا إضافية، فتقلّص الفارقُ بين الفريقين إلى نقطتين، ما جعل الفوز ممكنًا. وجاء الدورُ على ابنى ليمسك بالمضرب. فهل تتوقعون أن يعطوه المضربَ فتضيع فرصتهم فى الفوز؟! لدهشتى، فعلوا! رغم علمهم استحالة أن يحرز نقاطًا، إذْ لا يمكنه حتى الإمساك بالمضرب على نحو سليم. إلا أن لاعب الخصم قد أدرك أن فريق ابنى يضحّى بالفوز من أجل هدف أسمى؛ هو إبهاج معوّق وإثراؤه بلحظة لا تتكرر. تقدم الخصم وألقى الكرة برفق ليتمكن صغيرى، على الأقل، من لمسها بمضربه. وحاول ابنى ضرب الكرة ولكنه أخفق. وأعاد الخصم الكرة لابنى برفق بالغ، فضربها بوهنٍ، وردّها لخصمه الذى تلقفها بيسر. وما كان أسهل أن يمررها لزميله، وكان ذلك سيُخرج ابنى من المباراة. ولكن، بدلاً من ذلك، رمى المُدافع الكرة بعيدًا فوق رأس زميله، وبدأ الكلُّ يصيح.. مشجعو ولاعبو الفريقين، راحوا يهتفون باسم ابنى يشجعونه على المُضىّ إلى النقطة الأولى»، واستطاع بصعوبة أن يصل مترنحًا ومرتبكًا.. واستمر الهتاف فى الملعب ليمضى إلى النقطة الثانية، ووصل ابنى بالفعل، لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعوقه كان يعدّل اتجاهه ليتيح له التقدم. وجه صغيرى يشعُّ بالأمل فى أن يواصل طريقه حتى يحقق لفريقه النقطة الكبرى. وحين اقترب من النقطة الثالثة، كانت الكرة مع أحد لاعبى الخصم، وهو أصغر لاعب فى الفريق، ولديه الآن فى مواجهة ابنى الفرصة اليسيرة، ليغدو بطل فريقه. ولكنه أدرك خطّة الجميع، فألقى الكرة عالياً بحيث تخطّت زميله المدافع عن النقطة الثالثة.. وجرى ابنى نحو النقطة الثالثة وهو يترنح فى حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز. وبعدما تخطى الثالثة، ووقف المتفرجون حماسًا يهتفون مطالبينه بالركض للنقطة الأخيرة التى بدأ منها! وجرى ابنى حتى النقطة الرابعة وداس على الموقع المحدد.. وانفجر الحضور بالهتاف للبطل الذى أحرز النقطة الكبرى وفاز لفريقه.. أكمل الأب ودموعه تنهمر: «أولئك الأولاد كانوا النظامَ المتقنَ فى الطبيعة، ولم ير ابنى الصيف التالى، حيث وافاه الأجلُ فى ذلك الشتاء، ولكنه لم ينس لآخر لحظة فى حياته، أنه كان يومًا ما، بطلا رياضيًّا».. كل سنة وأنت طيب يا «عمر»، أيها المتوحّد الجميل.. ثِقْ أن العالم يحتاجُ إليك.