محفوظ عبدالرحمن

صراع الثورات

الجمعة، 03 فبراير 2012 04:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الظاهرة الأكبر فى ثورة 1919 هى انقسام زعمائها.. وكنت أظن - زمان - أن سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى هم رأس الحربة

فى عام 1901 عاد أحمد عرابى إلى أرض الوطن بعد نفى استمر تسعة عشر عاما، عانى فيها ما لا يتحمله بشر، وكان ذلك هو العقاب الممكن لرجل قاد بلاده من أجل العدل والحرية، وحارب حتى تحالف ضده خديو خائن هو توفيق حاكم مصر وسلطان متآمر هو عبدالحميد الثانى خليفة العثمانيين، والإمبراطورية البريطانية التى احتلت مصر.
ونتيجة الظروف التى مرت على الثائر وصحبه عاد محطما، يخشى الناس الاقتراب منه حتى لا يغضبوا الحاكم، وذات مرة كان ذاهبا إلى المسجد أو عائدا منه اعترضه شاب فى الطريق وسأله فى أدب: هل أنت أحمد عرابى باشا؟ وظنه عرابى أحد المحبين له غامر بالحديث إليه، فأجاب بالإيجاب، وعندئذ بصق الشاب فى وجهه!!
ربما ظن عرابى أنه عميل لتوفيق أو أحد رجاله، أو ربما لأحد أثرياء مصر الذين وقفوا وراء عرابى وعندما انهزم انقلبوا عليه، ولا أدرى هل عرف الحقيقة أم لم يعرفها، وهى أن هذا الشاب شديد الوطنية، ولكنه صدق ما نسميه الآن بالثورة المضادة، وأن عرابى كان سببا فى الاحتلال البريطانى لمصر.
لم يكن هذا الشاب وحده فى هذا الحمق السياسى، كان هناك أيضا أعظم شعراء مصر أحمد شوقى الذى هاجم عرابى فى شعره، إذ كان يرى أنه من محاسيب البيت العلوى، والمرة الوحيدة التى أصابه فيها ضرر ما كان من نفيه مع نفى الخديو عباس حلمى الثانى مع بداية الحرب العالمية الأولى، وعاش شوقى النفى فى إسبانيا فى رغد من العيش، وكان يساعد ماليا فى بعض الأحيان رجلا من أعظم رجال مصر هو عزيز المصرى، وقد التقطته ألمانيا آنذاك واستدعته من إسبانيا لتستعين به فى حربها.
الحماقة السياسية جمعت الشاب مع شوقى وأيضا زعيم عظيم هو مصطفى كامل الذى وقف للاستعمار البريطانى بالمرصاد لا يملك ما يحارب به آنئذ سوى الكلام أو ما نسميه الآن الإعلام.
فأصدر الصحف وسافر إلى أوروبا - خاصة فرنسا - خطيبا، واتصل بمن يعتقد أنه قادر على مساعدة مصر.. تواصل مصطفى كامل فى البداية مع عرابى ثم انقلب عليه ووصفه بأسوأ صفة ينطقها سياسى، وهى خائن!!
وفى أيامنا هذه يحدث مثل هذا الخلط، فى ندوة قدمها لى «علاء» على أنه ركن أساسى من أركان ميدان التحرير، كان يتقد حماسا، وعندما تكلم لخص الموقف فى جملة واحدة: كل مشاكلنا سببها جمال عبدالناصر، قلت له بهدوء: لقد توفى جمال عبدالناصر منذ أكثر من أربعين عاما، أعاد جملته، بالطبع لم يكن علاء يمثل ميدان التحرير الذى رفع صور جمال عبدالناصر، بالضبط كما أن الشاب الذى قابل عرابى لم يكن يمثل المصريين آنذاك.
كان المصريون صامتين، لا يعلقون على ما يقال عن عرابى لكنهم همسوا: «الولس هزم عرابى» أى التآمر بين الخديو والسلطان والاستعمار، ولم يحتقروا حاكما من حكامهم كما احتقروا توفيق.
وعندما قامت ثورة 1919 كان محمد فريد - خليفة مصطفى كامل - منفيا فى أوروبا يعانى ما يعانيه المنفيون، وسارع بتقديم نفسه إلى الثوار الجدد، لكنهم تجاهلوه تماما، ومات فريد الذى أفنى ثروته دعاية لمصر، ولم يجدوا المال الذى يعيد جثمانه إلى مصر ولم يفكر أحد من الثوار الجدد أن يطلب هذا، حتى قام بذلك أحد الأثرياء فيما بعد.
والظاهرة الأكبر فى ثورة 1919 هى انقسام زعمائها، وكنت أظن - زمان - أن سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى هم رأس الحربة فى الثورة، وأنهم على حد شعار أيامنا هذه «أيد واحدة»، فلقد ذهبوا إلى المعتمد البريطانى فى 8 مارس 1919 يطلبون السماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح الذى أعقب الحرب العالمية ليقدموا طلبات مصر فى الاستقلال، لكن فخامة المعتمد قبض عليهم وأرسلهم مع غيرهم إلى المنفى: وفيما بعد عرفت أنهم كانوا مختلفين حتى من البداية، ولما قرأت مذكرات سعد زغلول رأيتها مليئة بالانتقاد والشكوك فى كل مشاركيه تقريبا، وأكد هذا الانقسامات العديدة التى تكاثرت مع الزمن.
وثورة 23 يوليو كان لها موقف أيضا من الثورات السابقة، كان مؤرخوها يثنون دون تفاصيل على ثورتى القاهرة ضد الاحتلال الفرنسى، وبهذه المناسبة كانت الثورة الأولى تتميز بالوحدة الوطنية بين طوائف الشعب، والثانية كانت إحدى صور الفتنة الطائفية، وهذا يدل على أن الخطط القديمة مازالت تستخدم.
وكان مؤرخو ثورة يوليو - ومسؤولوها - يثنون على ثورة عرابى، وقيل أيامها إن هذا لأن عرابى ضابط، ولا شك أن عرابى وعبدالناصر لم يكونا مجرد ضابطين، بل كانا صاحبى رؤية ثورية وطنية لولاهما ما كانت مصر هى مصر، وكان العدل الاجتماعى غايتهما الأساسية، ولذلك كان لكل منهما التقدير الأكبر فى الريف المصرى الذى كان يمثل الأغلبية الكبرى.
وكان موقف ثورة يوليو فى ثورة 1919 ملتبسا بعض الشىء، لم يكن الحماس مثل الحماس لثورة عرابى ولا لثورتى القاهرة، وربما كان من أسباب ذلك أن الوفد الذى ورث ثورة 1919 كان قد اقترب كثيرا من الملك، وأنه كان ضد تحديد الملكية الزراعية، وضد المساس بالأغنياء عموما، وأنه نم عن ضرورة أن يحكم، متجاهلا من قاموا بالثورة وبعض من أعرفهم كانوا يتمنون أن تلتقى ثورة 19 و52 أو الوفد وضباط يوليو، ولكنهم لم يدركوا أن الثورات أيضا تتصارع.
فى ندوة عن الثقافة فوجئت بمجموعة منظمة تهاجم بشدة دور العسكر فى الثقافة وأنهم السبب فيما وصل إليه حال الثقافة فى بلادنا، ولما كنت ضد العسكر منذ أن كنت تلميذا فى المدرسة، ولم أغير موقفى هذا فى يوم من الأيام، تساءلت إذا كان المثقف عسكريا، هل علينا أن ننفيه؟ ببساطة تساءلت: هل جاء إلى وزارة الثقافة من يقترب من ثروت عكاشة؟! هل أتى من يدير المسرح من يقترب من أحمد حمروش؟! هل أتى من يعبر عن الشعب المصرى مثل جمال عبدالناصر؟ الإجابة واضحة، ومع ذلك فأنا لا أطيق العسكر فى مناصب مدنية، ومن ذكرناهم هم عسكر لكنهم قبل ذلك يعبرون عن الثقافة المدنية أكبر تعبير.
ومع ذلك لا شىء يستطيع أن يمنع ثورة 25 يناير من الهجوم على ثورة يوليو أو 1919 أو ثورة عرابى، فهذا من سمات الثورات ولا أظن أن هذا سيتغير مهما طال الزمن.








مشاركة

التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد بسيوني

يا عم ارحمنا بقي

عدد الردود 0

بواسطة:

مجدى زيدان

معك حق

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد بسيوني

الي الأخ مجدي

عدد الردود 0

بواسطة:

نانسى

جدل سفسطائى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة