كنت قد قررت أن أكتب عن ميليشيات جماعة الإخوان الجديدة، التى ظهرت مؤخراً لحماية قادتهم وآبائهم الروحيين من أعضاء البرلمان، وهى الظاهرة الفوضوية التى من المتوقع أن تسقط البلاد فى عراك أهلى لن ينتهى إلا بحرقها، أو بحكم عسكرى عرفى لضبط الأمن فى البلاد التى تحرقها فوضى الطوائف المستجدة، من إخوان أصابتهم هواجس "دون كيشوت"، بأنهم قيمة مضطهدة من قوى كونية خفية، ومن تيارات شمولية متخفية فى أحزاب سياسية تحت شعارات دينية تسمى بالسلفيين، ومن قوى الفساد المنتمى للنظام الساقط وأعوانه.. وهى الخطة التى تتبدى ملامحها يوماً بعد يوم، من أجل السيطرة العسكرية الكاملة على البلاد وإجهاض الثورة، وإفشال مصر للأبد.
ولكن بدت فى الأفق فى الأيام الأخيرة حالة جديدة من التآمر على الوطن، لا تنفصل عن مجمل الأحداث، وإن كان الإخوان وطائفيتهم، والسلفيون وأحاديتهم هم أضعف حلقاتها، حيث هم مجرد أدوات تستخدم ليصيبوا قومهم بجهالة، ثم يتم التنكيل بهم وإزاحتهم من جديد، وهو فيما يبدو دورهم التاريخى الذى اختاروه لأنفسهم.
كان هذا الموضوع أكثر ما يشغلنى لخطورته على السلم الأهلى، حتى بدأت عصابات السطو المسلح فى استعراضاتها المنظمة فى أوقات متقاربة، لترسل رسالة مكشوفة بأن الفوضى الكاملة باتت قريبة، ثم جاءت أحداث مباراة بورسعيد لتؤكد المشهد، وتطرح السؤال الذى يجب أن يُطرح، وتتم الإجابة عليه، ومواجهته بحزم وحسم وصرامة، وهو من يحمى مصر وشعبها الآن؟
المراقب للمشهد العام فى مصر، لن يبذل مجهوداً كبيراً ليؤكد أن لمصر إلى الآن رب يحميها فقط، ولكن لا أحد آخر من شعبها، بما فيه المخولون بذلك من مجلس عسكرى أو شرطة، بل أن ذاك المراقب لن يحتاج مجهودا أيضاً ليتأكد أن مترفيها، هم من أفسدوا فيها، وأن حماتها المفترضين متورطون فى التآمر عليها؛ لأنه ببساطة لن يحمى شعب مصر اليوم من قتلوه أمس.. ولن يعمل على إنجاح الثورة اليوم من أراد إخمادها أمس.. ولن يريد بمصر خيراً اليوم من شارك فى إفسادها أمس.
ذلك المشهد القاتم الذى تبدو فيه مصر اليوم يؤكد أن تلك الثورة التى استشهد فيها المئات، وأصيب فيها الآلاف، لم تنجح، بل فشلت وسقطت سقوطاً ذريعاً يحتم ضرورة قيام ثورة جديدة، ولكن هذه المرة ليست بسذاجة الأولى، ولكن بأبجديات الثورات الحقيقية التى نجحت عبر التاريخ الإنسانى كله، وهى التى تقطع رأس أعدائها، وتسحق المتآمرين عليها، وتمحق من يقف فى وجهها، وتبيد من يعترض أهدافها، لتكون كالموج الهادر الذى لا تملك أى قوة أيا كانت أن تلتف عليها لتقتلها كما حدث مع ثورة يناير.
لا أعتقد أن المصريين بتلك السذاجة التى تجعلهم لا يفهمون من وراء السطو المسلح المنظم والمبرمج والمتعمد أن يظهر فى هذا التوقيت بالذات، أو بالغفلة التى تجعلهم يصدقون أن لواءات الشرطة وضباطها فى وزارة الداخلية يعملون لصالح الوطن أو الشعب، أو يعملون على أمنه وأمانه، ولا بالحماقة التى تجعلهم يتوقعون أن المجلس العسكرى سوف يخرج من السلطة بتلك السهولة اليوم، ليواجه بمحاكمة أعضائه غداً، وهى الحالة التى دعت البعض للحديث عن خروج آمن لهم، وهو ما يمكن أن يقبله البعض على سبيل التوصل لحل توافقى مثل الذى يجرى فى حالات معاهدات السلام، بأن يتنازل كل طرف قليلاً لوقف إطلاق النار. ولكن للأسف الشديد، تبدو الفئة الأقرب للسلطة اليوم، والتى اختارها الشعب عبر صناديق الانتخاب أكثر طائفية مما يعتقده الناس، حيث يعملون بعقلية طائفية كاملة، من أجل أنفسهم ومصالح جماعتهم أولا، ثم تأتى كل الأشياء بعد ذلك بما فيها الوطن ككل.
فمن إذًا يحمى مصر والمصريين الآن، وكل من وثق هذا الشعب فيهم قد خانوه؟
من يتصدى لمحاولة تخريب الوطن المنظمة، ومن يجب عليهم فعل ذلك هم من يخربونه؟
من يحمى مفسدى المواطن المصرى عبر عقود طويلة، بل ويحافظ على كرامته فى أفخر المشافى فى مصر، ويترك أذنابه اللصوص ينعمون بتعامل استثنائى فى السجون، ويترك القتلة على رأس العمل يتمتعون بمزايا ودخول لا يحصل عليها المقتولون والمصابون والمسحوقون والمقهورون فى شعب مصر؟
من يحاسب من أفسد المواطن المصرى العادى، ليحول أبناء وأحفاد أبطال بورسعيد الباسلة إلى قتلة لأبناء شعبهم من أجل مباراة كرة قدم؟ ومن سمح بإقامة مباراة هو عاجز عن تأمينها، أو قادر، ولكن يريد تلك النتيجة التى وصلت إليها؟
من يحدد الخطوط الحمراء فى مصر، ليعتبر ضباط الشرطة القتلة وقناصى العيون فى شارع محمد محمود ومبانى شارع القصر العينى خطاً أحمر يستميت فى الدفاع عنه ويقتل الناس بالباطل فيه، ولا يعتبر المجمع العلمى ممنوعاً، أو دماء عشرات المصريين فى الشوارع المذكورة، أو فى استاد بورسعيد محرمة تستحق الدفاع عنها وحمايتها حتى لو فى عراك شعبى؟
من يحمى مصر ودماء أهلها الآن؟ لا أحد.. ومن يقول غير ذلك فليذكر أى المواقف التى استبسلت فيها الشرطة دفاعا عن هذا الشعب؟ وأى المواقف التى تحرك فيها المجلس العسكرى ليحاسب أى مقصِّر فى حماية تلك الدماء قبل إراقتها أو حتى بعدها؟
أى عار يمكن أن يلحق بتاريخ شعب بورسعيد الباسل، وأى عار يلحق بمنسوبى الشرطة، والمجلس العسكرى، ومجلس الشعب، وبالشعب المصرى كله بعد أن تقاتل فى مباراة كرة قدم، وهى أتفه ما يصنعه هذا الشعب، وأتفه ما يتحمس له أى شعب، خاصة إذا كانت محصلته النهائية فاشلة، ولا تمثل للرياضة العالمية أى قيمة تذكر.
أى عار يمكن أن يلحق بشعب يرى وطنه ينهار ويذهب لمشاهدة مباراة، أراد القائمون على الحكم أن يلهوه بها، وربما أرادوا أن يلهوه فى نفسه بعيداً عنهم؟
سقط المئات فى ثورة يناير، وفى طريق استكمالها سقط العشرات. ولكن مع كل شهيد أو مصاب كان تأكيد على عنفوان الثورة وعلى يقظتها فى دماء المصريين، الذين مازلوا يضحون من أجل إنجاحها، ومن أجل نهضة وطن استعبده اللصوص لسنوات طويلة.
ورغم سقوط كل هؤلاء الشهداء والمصابين، لم تسقط الثورة يوما، بل كانت كلما سقط شهيد فى سبيلها يشتد عودها، ويلوح الأمل فى مستقبل مضىء بتلك الدماء الطاهرة.. ولكن اليوم أرى ثورة مصر قد سقطت، يوم قتل الشعب نفسه، وأسقط العشرات من أبنائه فى مباراة بورسعيد.
عدد الردود 0
بواسطة:
طاهر
الناس تعبت!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
مين اللي هيعمل ثورة تانية ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
فتح الله
ما أغباك أيها الدربك
عدد الردود 0
بواسطة:
منى
عصابة اللهو الخفي
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسين سعيد
مقال محترم ،، وعندك حق