هناك مساحة واسعة بين الهبل والاستهبال.. فالهبل مرض أقرب للجنون والهوس، لذلك يرفع عن صاحبه العقاب لهبله.. أما الاستهبال فهو دهاء وتمثيل وخداع أقرب لمرتكب الجريمة الذى يدعى الجنون ليفلت من عقابه.. وبين الحالتين يجلس شعبنا الجميل متطلعا إلى رحمة الله. هناك مساحة رمادية واسعة بين الهبل والاستهبال، اجتمع فيها أغلب المسؤولين على اختلاف مراتبهم وبطاطينهم، فلا تفهم موقعهم من الإعراب، أو حتى من التصريف، وهل كلامهم ماء شرب أم صرف صحى؟.. فهم يفتحون علينا حنفيات الكلام المعسول، وجبنا كذا، وعملنا كذا، والفقراء كذا، والدعم كذا، والأمن كذا، والشرطة كذا، لنعلم بعد ذلك أن كذا هى اختصار كذابون.. تسمعهم فى الفضائيات، أو تقرأ لهم فى الصحف، فتشك هل يتكلمون عن بلدنا وشوارعنا ومشاكلنا، ولاّ عن حديقة الأورمان.
وكلما تكلم أحدهم حلف بأنه ابن الثورة، وحبيب الثورة، وشقيق الثوار، ويدعو المواطنين والشرفاء إلى ضبط النفس، كأننا فى حمام سباحة.. فأى ضبط للنفس والناس غطسانة فى مشاكل لا أول لها من آخر، وهل تسعى تلك القيادات إلى تعليمنا فن العوم أم لإغراقنا فى الوحل كما جاء فى ترانيم مبارك. فقضية مثل الأمن لا يمكن أن تستغرق عاما بالكامل بين زعل، وتطيب خاطر، وعتاب، ومحيلة مع الداخلية، ولا يخفى على عاقل أن ذيول مبارك تنفذ مخططا واسعا لإثارة الفوضى والشغب من خلال عشرات الكوارث التى كان آخرها- حتى تلك اللحظة- مباراة الأهلى والمصرى التى انتهت بأكثر من 70 قتيلا.. القصة معادة وصارت مملة رغم الرعب الهائل الذى تسببه كل مرة، فلماذا لا يتم القبض أو حتى الإعلان عن أسماء رجال الأعمال وأبناء الحزب الواطى الممولين لتلك المصائب، والتى جاءت من قبل فى تحقيقات اقتحام السفارة الإسرائيلية، ومن بعدها ماسبيرو ومن بعدهما محمد محمود، وقصر العينى. هذه العصابة القذرة التى تدير المؤامرة على شعب كامل كيف تعجزون عن محاصرتها والقبض عليها، وتكتفون بالجرى خلف بعض البلطجية المأجورين لهم؟، فهل مازالت لهم قوة سياسية أو اعتبارية حتى يفعلوا فينا ما يفعلونه ونستهبل ونقول إنهم أياد خفية، ونعمل مش شايفنهم؟.. أليس فينا خبير أمنى أو لواء شرطة أو حتى ملازم فاهم أن الثعبان لا يقتل إلا من رأسه، وإن ضرب ذيله فقد يزيده قوة؟، ولا أعرف هل هذا شأن أمنى أم شأن سياسى؟، أو من أين تأتى المؤامرة؟، ولكن من الهبل أن نترك هؤلاء الخونة بلا عقاب، ومن الاستهبال أن نتجاهل دورهم الأساسى فى تلك الكوارث، وأن نجرى خلف البلطجية فى الشوارع كأننا «بنجيب الديب من ديله»، فالحوادث المتكررة والمتلاحقة للسرقات المسلحة فى البنوك والمطاعم والمحلات الكبرى تدل على أنها مدبرة ومخططة من قبل نفس العصابة الممولة لضرب المجتمع المصرى وتخويفه، كأننا انتقلنا فجأة لمرحلة رعاة البقر إلا أنهم بجلاليب، فلماذا نجرى مهرولين خلف الجلاليب، ونترك البهوات من بقايا رموز العصر البائد وهم ينفقون الملايين ويؤجرون الآلاف لتنفيذ وصايا قائدهم المبارك؟، فهل تركهم غباء أم تآمر ومشاركة فى الخيانة؟.. النماذج متعددة وكثيرة، وتدل على أن المساحة الرمادية بين الهبل والاستهبال واسعة جدا حتى نكاد نغرق فيها جميعا.