بداية أتقدم بخالص التعازى إلى أهالى وذوى شهداء مصر فى مجزرة بورسعيد الخميس الماضى، وأقول هنا شهداء مصر وليس كما يقول بعض الساذجين شهداء النادى الأهلى، لأن المذبحة التى تمت هى جزء من سيناريو الفوضى والدموية، التى أصبحت متكررة بشكل ممنهج فى مصر، خلال الأشهر الماضية تحديدا، منذ أحداث مسرح البالون، وعلى ذلك دعونا نقسم الحدث الأخير ونحلله إلى ثلاثة مستويات، الأول هو متعلق بإدارة الدولة المصرية والقائمين عليها، وأعنى هنا بالأساس المجلس العسكرى بصفته الذى يدير البلاد منذ تنحى مبارك منذ عام، أما المستوى الثانى ألا وهو المتعلق بوزارة الداخلية وهيكلتها والوضع الأمنى فى مصر، أما المستوى الثالث وهو المستوى الثقافى المتعلق بالتعصب والشغب والتشنج وغيرها من أمور لا يصح أن نسقطها من حساباتنا فى تحليل ما حدث. أما عن المستوى الأول فالمجلس العسكرى باعتباره المسؤول الأول عن كل تلك الأحداث بصفته القائم على إدارة شؤون البلاد منذ عام كامل على الأقل سياسيا، أما المسؤولية الجنائية فأمرها متروك لجهات التحقيق القضائية منها والمدنية، والمطلوب فقط هو شفافية تلك اللجان، فالمجلس العسكرى مع كل حدث يخرج علينا قادته ويحدثونا عن الطرف الثالث والمؤامرات الداخلية والخارجية، وعلى ذلك فنحن أمام حل من اثنين، إما أن المجلس يعرف الطرف الثالث أو أطراف تلك المؤامرات ولا يعلن عنهم، وبالتالى نحن هنا أمام شبهة تواطؤ، أو أن المجلس لا يعرف هؤلاء، وبالتالى نكون أمام حالة فشل ذريعة على كل المستويات يتحملها المجلس بالدرجة الأولى.. المشكل أيضاً فى مصر أن هذا الفشل منسحب على باقى المستويات الاقتصادية والاجتماعية، أضف إلى ذلك كله عبثية المحاكمات الآن ضد رموز النظام البائد وضد قتلة الثوار، مما يزيد الاحتقان والريبة والغضب. أما المستوى الثانى وهو المتعلق بالجانب الأمنى ووزارة الداخلية، والتى حتى الآن محل ومثار ريبة الملايين من أبناء الوطن، فرغم مرور عام كامل على ثورة الخامس والعشرين، فالوضع الأمنى مازال فى انحدار وانهيار وأعمال السلب والنهب متتالية وممنهجة خلال العام نفسه، وحتى الآن لم يعاد هيكلة وزارة الداخلية هيكلة حقيقية وجذرية، وهو الذى يدعونا إلى الشك فى وجود أى إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذه الهيكلة، وهو ما يتطلب الآن من مجلس الشعب سرعة إصدار تشريع متعلق بإعادة هيكلة الوزارة، وهنا نحن نحمل مجلس الشعب مسؤوليته الآن، باعتباره الجهة الوحيدة المنتخبة فى مصر. فالوضع الأمنى فى مصر لم يعد يحتمل البقاء كما هو، فاستمرار الانهيار الأمنى ينعكس بالسلب على الاقتصاد ومسار البناء المجتمعى. أما المستوى الثالث والأخير والذى لا يتحدث عنه الكثيرون ألا وهو المستوى الثقافى المرتبط بانتشار ثقافة العنف والتعصب التى أصبحت مشكلا رئيسيا لبنية عقلية الكثيرين من أبناء الوطن، ولكن هذا الأمر يتغير بالتربية والتعليم، وهو ما يتم خلال سنين وعقود وتحتاج إلى دراسات سيكولوجية وسوسيولوجية للتعامل معها، وهو الأمر الذى يتطلب بشكل أولى صراحة الاعتراف بوجود تلك المشكلة بالتعصب ليس بقاصر على تشجيع كرة القدم، بل يمتد إلى سلوكيات شبه يومية فى حياة المواطن، فالتعصب موجود باسم الدين والرياضة والفن والفكر وغير ذلك من المجالات وأذكر الجميع أن العنف هو المرحلة التالية للتعصب والتشنج.
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
الطرف الثالث