نظن أن أزمتنا ليست فى نقص الأفكار والاقتراحات، ولكن فى كثرة هذه الاقتراحات وتضاربها وتناقضها، وكيف تحولت مجزرة بورسعيد إلى أزمة أمنية، بينما الأمن كان جزءاً مهما منها، لكنها أزمة إدارة وسياسة فى الأساس. ثم أنه تم نسيان الضحايا وسط صراعات الأطراف المختلفة، وحتى مع تشكيل لجنة لتقصى الحقائق، فقد تم استباق عمل اللجنة بأنباء واتهامات، دون القبض على متهم أو محرض. مجلس الشعب اكتفى بجلسة ساخنة للاستعراض، ثم دخل فى إجازة من الجلسات، بينما كان الطبيعى أن يبقى المجلس فى الصورة لحين انتهاء الأزمة، لكننا رأينا نواب البرلمان- كالعادة- ينتشرون للحديث فى الإعلام، أكثر مما يتحدثون فى مجلس الشعب، فضلا عن أن الحديث يستهدف الكاميرا.
مجلس الشعب هو المؤسسة التى يفترض أن تواجه الاشتباكات بين المتظاهرين والداخلية، وألا تترك الأزمة حتى تسيل دماء ويسقط ضحايا جدد، وبالتالى فاقتراح نقل وزارة الداخلية من مكانها إلى التجمع الخامس، أو أى مكان خارج القاهرة، يدخل فى سياق اقتراحات تحصيل الحاصل، لأن مقر الوزارة مكان إدارى وسياسى، والداخلية يفترض أن تنتشر فى المحافظات والأحياء، ودورها فرض الأمن، ولو تم نقل المقر إلى خارج القاهرة فلا يعنى هذا أن الأزمة انتهت، ولا ننسى أنه بعد أحداث محمد محمود انتقلت المظاهرات إلى مجلس الوزراء، ثم إلى مجلس الشعب قبل أحداث بورسعيد، بما يعنى أن المتظاهرين سيتوجهون إلى أى مؤسسة ترمز للسلطة.
ومع عمق الحدث فى مجزرة بورسعيد، لايمكن تجاهل حالة الانفلات الأمنى، وانتشار السرقات المسلحة، ومهاجمة البنوك والشركات، وقطع الطرقات، وهى حوادث يرجعها البعض إلى مؤامرات الفلول. ومع صحة الاتهام، فإن الفقر والعشوائيات والبطالة الواسعة التى تضاعفت منذ العام الماضى، وبعض مرتكبى حوادث الخطف والاقتحام والسرقات المسلحة ليسوا من المسجلين، بما قد يشير إلى أن هذه الحوادث مظاهر أولية لثورة جياع. ولا يجب التعامل مع هذه الحوادث على أنها أمنية، إنما هى قضايا سياسية واجتماعية، طرفها الرئيسى فى مجلس الشعب وعند الحكومة، ولايمكن اختصار القضية فى تأمين مباريات الكرة، بينما المجتمع كله مكشوف من الأمن الشرطى والاجتماعى.
لم يعد أحد يتطرق إلى أوضاع الفقراء، وسكان العشوائيات والقرى الفقيرة، والبطالة، وفقدان عمال المعمار أعمالهم بسبب الأزمة، والعاملين فى السياحة، والعائدين من ليبيا، وهؤلاء يحتاجون إلى أن يناقش البرلمان قضاياهم ويبحث لهم عن حل، لكن الواضح أن السياسيين وأصحاب الائتلافات لا يجدون فى أزمة هؤلاء ما يغرى بصناعة قضية إعلامية أو فضائية.
الفقراء والمرضى والعاطلون هم من يحتاجون إلى مبادرات وحلول واقتراحات من مجلس الشعب وزعماء الكلام.