أعرف أنك فرحان بتلك التقسيمة الجديدة التى فرّقت الأحبة، ووضعت جمال وعلاء فى المزرعة، وذهبت بالفقى والشيخ إلى القناطر، ونقلت سامح فهمى إلى حيث سجن العقرب، وبدأت فى تجهيز مستشفى سجن طرة لاستقبال الرئيس المخلوع مبارك.
وأعتقد أن ما سمعته من ردود أفعال على قرار توزيع رموز نظام مبارك على السجون المتفرقة بعد رفضهم هم وأهاليهم ومحاميهم هذا القرار أثلج صدرك، وأعرف أيضا أن ما سمعته حول بكاء مبارك وتهديده بالانتحار إذا تم نقله إلى مستشفى السجن، وما تقرأه من مانشيتات الصحف وأخبار صفحاتها الأولى، وما تسمعه فى برامج المساء من حكايات عن مبارك وعائلته، وعن الوزارء داخل السجون، يرضى الكثير من رغبتك الانتقامية إذا كان حديثا عن معاملة سيئة، وبكاء الرموز التى كانت طاغية وجبارة، ويثير حنقك وغضبك إن كان حديثا عن معاملة خاصة، وشماتة فيما يحدث داخل شوارع مصر من مجازر ومذابح وانفلات أمنى، ولكن هل يجوز لى أن أتدخل وأضرب كرسى فى «كلوب» تلك الحفلة التى تستمتع بها الآن؟! ضع صحف مصر كلها أمامك، وحاول أن تشاهد «توك شو» أو أكثر فى نفس اليوم، وستدرك أن الثورة ورياح تغييرها زارت بعض الأجهزة والمجتمعات والنفوس، ولكنها لم تطرق بعد باب الصحافة والإعلام، ودعنى أكن صريحا معك، وأقول إن حبس مبارك أو سجن أتباعه أو حتى إعدامهم ليس هو المتمم لنجاح تلك الثورة، الثورة لن تنجح ولن يكتمل نموها إلا بإصلاح حال الإعلام، والقضاء، ورحيل العسكر عن الحياة السياسية للأبد.
طبعا لا داعى لأن ألفت انتباهك لحالة التحول الغريبة التى أصابت الصحف القومية، وحولت كل محرر فيها كان يسبّح بحمد مبارك وأسرته إلى مناضل يغرز سيفه بكل شجاعة فى جسد مبارك، وأتخن تخين من رجاله، ولا داعى لأن ألفت انتباهك لمقدمى البرامج الرياضية الذين كانوا يسبقون اسم الرئيس السابق مبارك دائماً بجملة شهيرة هى «راعى الرياضة والرياضيين»، ثم فجأة وبعد 25 يناير خرج كل واحد فينا ليخبرنا عن قصصه النضالية فى وجه الرئيس السابق، دون أن يدركوا أن الشعب المصرى يؤمن بالمثل الشعبى القائل: «بعد العيد ما يتفتلش الكحك»، أى بعد رحيل مبارك من السلطة لا يمكن اعتبار نقده نوعا من أنوع البطولة، ولا داعى لأن ألفت انتباهك إلى أن هؤلاء فى الصحف وفى البرامج تحولوا من نفاق مبارك ورجاله إلى نفاق الرأى العام ورجال المجلس العسكرى، وجعلوا من كل معارض لبقائه فى الحكم خائنا وعميلا وحاصلا على تمويل، وعلى علاقة بالأيادى الخارجية التى تعبث بأمن مصر. وبعيدا عن تلك التحولات النفاقية توقف لحظة أمام مانشيتات وأخبار الصحف المصرية الخاصة بالرئيس مبارك وأسرته، وستجد أمامك كمًا فاضحًا من عدم المسؤولية والرغبة فى نشر أى نميمة تسلى القارئ. الصحف المصرية، الخاص منها والقومى، تنشر عشرات الأخبار عن مبارك وعلاء وجمال وسوزان، اعتمادا على مصدر واحد هو «المصدر الذى رفض ذكر اسمه»، والغريب أن هذا المصدر يقول كلاماً مختلفاً فى كل صحيفة عن الأخرى، فهو الذى يقول إن مبارك يبكى ويهدد بالانتحار خوفاً من نقله إلى مستشفى السجن، وهو نفسه الذى يقول إن مبارك يجلس كل يوم ضاحكاً شامتاً فى الثورة بسبب حالة الفوضى والانفلات الأمنى التى هدد بها قبل رحيله، ونفس هذا المصدر، الذى رفض ذكر اسمه، هو الذى يغذى برامج التوك شو بالعديد من الأخبار عن الأيادى الخارجية، والطرف الثالث، والتمويلات القادمة عبر البحار دون تقديم دليل واحد. افرح قدر ما شئت بسجن مبارك ومحاكمته وإعدامه، لكن تذكر أن البطولة الآن ليست فى نقل أى أخبار غير معلومة المصدر، وتذكر أيضاً أن ثورة 25 يناير اشتعلت من أجل أن تحرق الفساد، لا أن تورثه بأشكال مختلفة، لا تدعموا الصحف ووسائل الإعلام وهى تسير فى هذا الاتجاه، لأنها مازالت تعاملكم بنفس الطريقة، وكأنكم بسطاء وسذج يجلسون على رصيف الكورنيش فى انتظار أخبار التسالى والنميمة، خذوا موقفكم وأخبروهم بأن الثورة غيرتكم، وأنكم فى حاجة إلى إعلام يحدثكم بصدق عن الواقع، ويشرككم فى وضع رؤى المستقبل.