لست مع النواب الذين أعلنوا أمس اعتصامهم داخل مجلس الشعب، ولا مع الذين هددوا بالإضراب عن الطعام والذين أعلنوا عن البدء فيه أمس.
بالأمس تحدثت فى هذه المساحة مشيدا بتعامل المجلس مع مذبحة بورسعيد، وأن النواب كشروا عن أنيابهم بالدرجة التى ستدفع أى مسؤول إلى اليقظة الكاملة، خوفا من أن يأتيه اليوم الذى يتعرض فيها إلى مساءلة برلمانية عاصفة، كتلك التى حدثت مع رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى، لكن أرى أن اللجوء إلى الاعتصام هو سحب من دور النائب الحقيقى تحت القبة.
هناك فرق بين أداء الدور النيابى على طريقة المظاهرات، وأداء الدور النيابى وفقا للآليات البرلمانية، وبالمناسبة هى آليات تحتاج إلى سهر على ملفات، ورصد معلومات، وبحث عن بيانات، وإحاطة كاملة بالقضايا التى يريد النائب أن يفرضها فى المناقشات البرلمانية، أى أن النائب كالطالب الذى يذاكر دروسه استعدادا للامتحانات، والنائب الذى لا يفعل ذلك إما أنه سيتحول إلى «أبو الهول» تحت القبة، وإما سيختار طريق مغازلة الجماهير بالمشاعر التى قد تكون على حساب الحقيقة، وفى الحالتين تكون الخسائر كبيرة.
لا يحتاج النواب الذين اعتصموا أو الذين أضربوا عن الطعام إلى تزكية من أحد للإشادة بدورهم الوطنى المشهود، فجميعهم محترمون، وساهم كل منهم برصيد وافر من العطاء الوطنى ضد نظام مبارك، وساهموا جميعا فى ثورة 25 يناير ومسارها، وأدى هذا الرصيد إلى انتخابهم ونجاحهم بأصوات وحناجر وصلابة أبناء دوائرهم، لكن لا يعنى ذلك عدم انتقادهم فى مسلكهم «البرلمانى»، فإذا كانت جلسة البرلمان التى تمت أمس الأول، قد تردد فيها كلمات مرفوضة ترمى المتظاهرين بأوصاف مثل «البلطجة»، وغيرها من الآراء المضادة للمتظاهرين، فإن نفس الجلسة شهدت إشادات بالمتظاهرين، ورفضت رميهم بأوصاف سيئة، وبالتالى فنحن كنا أمام نقاش ديمقراطى، حتى لو كان أحد أطرافه قال كلاما لا يعجب الأطراف الأخرى.
فى هذا الصخب لم نسمع تقييما موضوعيا يتحدث وبإنصاف وبالمعلومات ودون انحياز عن الذين يرفضون كل محاولات التهدئة والانسحاب من محيط وزارة الداخلية، والتى أدت إلى سقوط قتلى فى معركة لا تستحق، وأمام ذلك فالأجدى بالنواب الذين اعتصموا أن يغيروا من هذا الأداء، ويبحثوا عما إذا كان ذلك يعجب جماهير دوائرهم أم لا؟