«الفوضى» كلمة تعبر عن حالة من الاضطراب الكامل التى تصيب بلدًا ما أو مجتمعًا أو دولة، فلا تعرف فيها الصواب من الخطأ، ولا الصحيح من السقيم، ولا الرئيس من المرؤوس.. وهذه هى الحالة التى تمر بها مصر منذ عام مضى.. لا نكاد نشعر بأن أمور البلاد تتجه نحو الاستقرار حتى نستيقظ على أهوال أكثر شدة ومرارة دون أمل فى نهاية.
وهذه الفوضى التى تعم المجتمع لا تأتى من فراغ أو من عدم، فليس فى تاريخ البشرية شىء حدث دون سبب، وكل ما علينا هو أن نبحث عن الأسباب هنا وهناك حتى نفهم ظاهر المشكلة لكى نواجهها حتى تصفو لنا الحياة.
أما إذا أردنا أن نعرف أسباب الفوضى التى نعيش فيها فسوف نكتشف أن هذه الفوضى أنتجها الذين أضيروا من ثورة يناير لكى لا تضيع مصالحهم التى تحصلوا عليها من النظام السابق، وتلك مسألة بسيطة لا تحتاج إلى دليل، فمن المعروف أن الذى يحقق فى واقعة جنائية من أى نوع يبدأ تحقيقه بالبحث عن صاحب المصلحة مما حدث إلى أن يقع فى يده الجانى الحقيقى، وليس المأجور.
وبهذا السؤال البسيط سوف نجد أن الذين أوقعوا البلاد فى حالة الفوضى ليسوا ثوار 25 يناير بطبيعة الحال، وإنما هم الذين أطاحت بهم الثورة، ولأن المكاسب التى يعيش فيها هؤلاء كبيرة وفوق الخيال بسبب النهب الحر باسم الاقتصاد الحر، فلنا أن ندرك أنهم وراء حالة الفوضى التى تعيش فيها البلاد سواء بالتدبير عن طريق المحمول الذى لا يعيش سجناء طرة بدونه، وتحديد الهدف بعناية «مدروسة» مثلما حدث فى اختيار مبنى المجمع العلمى ثم مصلحة الضرائب دون المبانى الأخرى المجاورة والمتلاصقة، وأيضًا الدفع بمجموعة من أتباعهم الذين أطلق عليهم «البلطجية» لكى يندسوا وسط تجمعات الثوار فى المليونيات التى يعلنون عنها من جمعة إلى أخرى من أجل تحقيق أهداف الثورة.. وفى هذه الحالة يسهل إشعال الفوضى فى تلك التجمعات، فيختلط الحابل بالنابل مثلما حدث فى استاد بورسعيد أخيرًا. والمغزى من كل هذا أن يدرك المصريون أن الثورة كانت خطأ وخطيئة وأنها أفقدتهم الأمان الذى كانوا يعيشون فيه ليندموا على حكم الذين هم وراء الأسوار الآن.
ومن أسباب إنتاج الفوضى وضياع الهيبة أن تبدأ انتخابات مجلس الشعب دون وضع الدستور، فانتهى الأمر باستئثار تيار بعينه بكراسى المجلس وبلجانه، وهذا من شأنه تأليب النفوس فتستمر الفوضى، وبدلاً من الاستفادة من هذا الدرس فى الخطوة التالية تقرر أن تبدأ انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور.
ومما يساعد على استمرار حالة الفوضى الموقف «السلبى المسالم» الذى يقفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى وجد نفسه بين نارين: نار الولاء للرئيس السابق، ونار احتضان الثورة وحمايتها، وكلما تردد المجلس فى اتخاذ إجراءات قوية لاسترداد الأمن والاستقرار، حامت حوله شبهة معاداة الثورة، ورغم أن المجلس صرح بأنه يعرف الذين يمولون أعمال البلطجة سواء من الداخل أو من دول خارجية صاحبة مصلحة، إلا أنه لم يكشف عنهم، الأمر الذى جعل الشبهات تزداد أكثر وأكثر، فلم يجد الأبرياء إلا تحميل «اللهو الخفى» مسؤولية الفوضى، وكأننا فى زمن أساطير وأحاجى حكايات «ألف ليلة وليلة».
إن القضاء على حالة الفوضى يا أسيادنا لن يتم بالدعوات الأخلاقية ولكن بالقانون والعقوبة الرادعة، وإلا فسوف نصبح تحت رحمة الجهلاء، وقديمًا قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سَرَاة لهم
ولا سَرَاة إذا جهالهم سادوا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى محمود
مقال رائع من استاذى العلامة الأستاذ الدكتور عاصم الدسوقى (جبرتى العصر الحديث).
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماء الدسوقى
العدو المجهول