«الدستور» عند أهل القانون والفكر السياسى: «مجموعة القواعد الأساسية التى تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ومدى سلطتها إزاء الأفراد»، وقد استقر هذا التعريف منذ كتب جان جاك روسو كتابه «العقد الاجتماعى» فى 1762 فى طبيعة الحكم وحقوق المواطنين حين انتقد الحكم المطلق الذى يستند فيه الحاكم إلى سلطة دينية، وانتهى إلى أن الحكم يقوم على عقد بين الحاكم والمحكومين تحدد فيه واجبات وحقوق الطرفين إزاء المجتمع، وقد عرف هذا «العقد» باسم Charta فى اللغة اللاتينية «وثيقة أو مستند» ونقله رفاعة الطهطاوى إلى الحروف العربية باسم «شرطة»، وأما كلمة «الدستور» فهى تركية - فارسية الأصل بالمعنى نفسه، وانتقلت إلى اللغة العربية مع سيطرة العثمانيين على البلاد العربية.
وكانت فرنسا أول دولة فى التاريخ الحديث تضع الدستور وكان ذلك فى عام 1791 بعد اندلاع ثورتها الشهيرة فى يوليو 1789، وبدأت الممالك الأوروبية تأخذ به اتقاء لخطر الثورة، ولما كان الدستور هو القاعدة التى تصدر على أساسها مختلف القوانين فى الدولة وبحيث لا تتناقض مع القواعد الدستورية، فقد جاء تعريف شارل مونتسكيو للقانون فى كتابة «روح القوانين» «1748» لانتقاد السلطة المطلقة المدعومة دينيا فقال: إن القانون ليس سماويا مطلقا وإنما صياغة لما يتعارف عليه الناس فى علاقاتهم من حيث الخطأ والصواب.
وهذا التحديد يستهدف تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين دون تمييز بينهم على أساس العرق أو النوع أو العقيدة الدينية، وهذه الغاية شغلت البشرية من قديم الزمان حين بدأ ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وكان أفلاطون الذى نشأ فى مجتمع عبودى يقوم على الرقيق يبحث عن الحاكم العادل الذى لا يميل لطرف دون آخر، فاشترط على الحاكم ألا يملك وألا يتزوج حتى لا يضعف أمام الرغبات، وذهب أرسطو إلى أن القانون يمثل العمود الفقرى للحكم. وفى المسيحية قال بولس الرسول فى مواجهة مجتمع الرقيق: ليس هناك عبد أو حر.. ذكر أو أنثى فالجميع واحد، وفى الإسلام فإن المساواة بين الناس هى الأصل.. كلكم لآدم وآدم من تراب.. والعبودية لله وحده.. ومعيار التفاضل بين الناس هو التقوى التى هى رهينة العمل الصالح.. والعدل ينطلق أساسا من مبدأ المساواة، وهذا ما قال به الفارابى والماوردى وأبوحامد الغزالى وابن تيمية.
ولكن.. وبعد هذا التراث البشرى والدينى الذى حدد قاعدة الدستور لتنظيم علاقة الحكم على أساس العدل والمساواة والتوازن الاجتماعى ما زلنا فى مصر نواجه سؤال الدستور وكأنه يطرح لأول مرة من باب الفلسفة، ذلك أن الفلسفة تبدأ بسؤال يبحث عن إجابة فإذا اتفق الجميع على الإجابة انتهت الفلسفة.. أى انتهى السؤال ولا ينبغى لأحد أن يسأله مرة أخرى.
ورغم هذا وذاك فإن أصحاب التيار الإسلامى الذين سيطروا على البرلمان فى مصر مؤخراً يريدون أن يقيموا دستورا لدولة يقوم على التمييز بين المواطنين مذهبيا ونوعيا، ومن ذلك مثلا كما ورد فى خطابهم الانتخابى تطبيق الحدود، مع أن الفقه الدينى اشترط لتطبيق الحدود وجود الإمام العادل «أى الحاكم العادل» لكنهم يريدون تطبيق الحدود دون وجود الحاكم العادل، ويريدون منع الناس من مزاولة أى نشاط لم يرد بشأنه نص، مثل السياحة ولعب الكرة، وكأننا فى مجتمع من نوع واحد لا توجد بين أهله فوارق طبيعية لا حيلة للناس فيها، فإذا ما نجحوا فى تحقيق ذلك فإن ما سوف يتم وضعه لا يمكن أن يوصف بالدستور ولكن يوصف بأى كلمة أخرى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد نصير
لا أدري لماذا سميتهم الإسلاميين الجدد !!
عدد الردود 0
بواسطة:
د/سامح
إذا كانت هذه فكرتك عن ( الإسلاميين الجدد )
عدد الردود 0
بواسطة:
طبيبه مصريه
ما التناقض بين رغبة الاسلاميين فى تنفيذ مشروعهم و ان يكون الدستور محايدا
عدد الردود 0
بواسطة:
salah alanagar
منقول
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
لا يعرف الدين الاسلامي الحريات ...واولها حريه الراي
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
العالم يتقدم وهم لا يتحركون.....الاسلام لا يعدوا عن كونه ارهابا
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصر
الى رقم 5 و6 شخص واحد
عدد الردود 0
بواسطة:
باسم فريد
فإذا ما نجحوا فى تحقيق ذلك فإن ما سوف يتم وضعه لا يمكن أن يوصف بالدستور
يوصف بالمعكوك !!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور مكاوى
ارحمونا
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب
مش محمد خاااااااالص!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!