تحدثنا عن الشاعر الذى مدح الباذنجان عندما أحبه السلطان وهجاه عندما رفضه، وقال حكمته النفاقية الخالدة: «أنا شاعر السلطان ولست شاعر الباذنجان»، ومازال تلاميذه يعيشون بيننا ويمارسون لعبة السلطان والباذنجان. ومنذ ثورة يناير تحول عدد من كبار زعماء «حزب الباذنجان»، كانوا ينافقون مبارك ونظامه وحزبه الوطنى ويلهثون للفوز بمقعد فى لجنة السياسات، أو كرسى فى الشورى، يبررون كل فساد سياسى واقتصادى.
حزب «الباذنجان»، مازال قائما، خلع أعضاؤه ملابس النظام السابق وارتدوا ملابس النظام القادم، لديهم شهادات فى التبرير وخبرة فى اللعب بالبيضة والحجر والدستور. منافقو النظام القائم قادرون على تحويل الفسيخ السياسى إلى شربات. غيروا دفتهم عن باذنجان مبارك، وأعاد بعضهم كتابة تاريخه، بحكايات عن معارضة لم يفعلوها وممارسة لم يمارسوها، ولدى كل منهم قصة عن شجاعة فى مواجهة التسلط، لم نعرفها من قبل، ونسمع أو نقرأ لأحدهم يقول: «نصحتهم وقلت لهم وعارضت كذا ورفضت كيت»، بينما الواقع يؤكد أنه كان باذنجانيا ينجح بالتزوير ويشغل المناصب واللجان، وأنهم على استعداد لتكرار نفس الطريقة مع أى محتمل أو منتظر. فهم لا يفتقدون إلى الموهبة.
وحتى وزير مثل محمد إبراهيم سليمان أصدر كتابا قال فيه إنه كان معارضا، واجه مبارك وجمال وزكريا عزمى، وغيره يبرئ نفسه ويتهم غيره، فلا نعرف من الذى صنع كل هذا الفساد.
وإذا كان هذا دأب المسؤولين السابقين، فإن الدكتور مصطفى الفقى مثقف كبير، كان جزءا دائما من النظام، بعد مبارك اعتاد أن يحكى حكايات عن أنه كان يعلن رأيه المعارض، ويحكى أن سوزان مبارك فصلته من المجلس القومى للمرأة لأنه تناقش مع عضو آخر على كرسى، أو أنه قال لمبارك رأيا حُرم بسببه من المناصب الدبلوماسية سنوات، لكن ما يقوله الفقى لم يظهر فى حينه، ونعرف أنه كان يدافع عن نظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة، وكان يرى أن مصر ليست تونس. ثم إنه شغل مقعدا فى مجلس الشعب أثيرت حوله شبهات، وتم تعيينه فى الشورى بعدها، وكان مرشحا دائما لمناصب دبلوماسية ورسمية، ومحسوبا ضمن مخزن اللجان والمناصب. ولسنا بصدد التذكير بما هو معروف، لكن القصة أنه لو كان الفقى أو غيره قال خمسة فى المائة فقط مما يرويه، ما لبثنا فى الفساد العظيم. لكنهم صمتوا وبعد تنحى مبارك قالوا إنهم عارضوا ورفضوا وانتقدوا. وبعضهم يكاد يقول إنه صنع الثورة سابقا.
هذه الحالة يسميها الأستاذ صلاح عيسى «الحالة سابقا»، كان يصف بها المسؤولين الذين يشغلون مناصب وزارية أو رسمية، ويصمتون، فإذا تم إبعادهم يتحولون إلى معارضين بأثر رجعى.
ولن نندهش إذا رأيناهم ينضمون إلى الأغلبية الحالية أو القادمة والرئيس المحتمل أو المنتظر. فحزب الباذنجان صالح لكل زمان ومكان.