بمناسبة ضابط جهاز الأمن الوطنى الذى كان يحرض المتظاهرين على اقتحام مبنى الوزارة، وللذين لم ينجحوا بعد فى تحديد هوية الطرف الثالث.. أستأذنك فى إعادة نشر هذه السطور التى كشفت هوية الطرف الثالث منذ شهور طويلة.
الكلام المبنى للمجهول يصنع كثيرا من المطبات اللغوية التى تصنع بدورها حالة من التوهان، وأحيانا سوء الفهم، نفس التأثير ينتج عن الأفعال التى لا نعرف لها صاحبا، أو محرضا أو محركا، الأمر يشبه الحالة التى يعيشها الشارع المصرى الآن بعد مجزرة بورسعيد، ومن قبلها أحداث مجلس الوزراء، ومحمد محمود.
أنا لا أتهم أمن الدولة المنحل بتدبير الأحداث الدامية التى شهدتها مصر طوال العام الماضى، ولكنى أسأل: أين دور الجهاز الذى يحمل اسم «الأمن الوطنى» الآن، فى حوادث السرقة والسطو المسلح والبلطجة والفتن، أين دوره الأمنى فى منع تلك الحوادث، أو تعقب مرتكبيها، هل يعقل أن الجهاز الوحيد الذى أقنعتنا وزارة الداخلية وحكومة الدكتور شرف السابق، والمجلس العسكرى، أنه تمت هيكلته غير قادر على الإرشاد عن متهم واحد فى كل أحداث العنف والبلطجة التى حدثت طوال الشهور الماضية؟، وإن لم يكن قادرا على أن يفعل ذلك، ويؤدى وظيفته الأمنية، فلماذا لا يتم تفكيكه تماما توفيرا للنفقات؟!.
هل يمكن أن أستأذنك فى اتهام جهاز أمن الدولة بالوقوف وراء هذه الأحداث، لأن تشابهها مع الفتن التى كان يصنعها الجهاز فى زمن مبارك ليس صدفة؟، واتهام جهاز أمن الدولة هنا لا علاقة له بنظرية المؤامرة وألاعيبها وخيالها الذى يشطح بالبعض أحيانا، بل له علاقة بتلك الخدعة الكبرى، والمقلب الجامد، والوهم الكاذب الذى خلقته وزارة الداخلية، ومررته حكومة الدكتور شرف لكى نشربه، ونحن راضون بكل ما كانت تقدمه لنا حكومة الثورة التى هتفنا لرئيسها فى ميدان التحرير، والمقصود بالخدعة هنا هو لعبة وزارة الداخلية المعروفة باسم حل وتفكيك جهاز أمن الدولة، واستبداله بجهاز أمنى آخر يحمل لقب «جهاز الأمن الوطنى».
عملية النصب الكبرى التى قامت بها وزارة الداخلية، فيما يخص أمر حل جهاز أمن الدولة، وإعادة تصديره للناس فى ثوب وشكل جديدين، بدأت فى ليلة اقتحام مقرات أمن الدولة فى المحافظات، وهو الأمر الذى تم فى سهولة وسلاسة، لا تتناسب أبدا مع تحصينات تلك المقرات، وتم الاعتماد على نفس الخطة التى كان يتم تنفيذها مع الجهاز، كلما علت موجة الغضب الشعبى على الجهاز ورجاله، حيث تغير الاسم بعد ثورة 19 من مكتب الخدمة السرية إلى «قلم ضبط ب»، ثم القسم السرى الخصوصى، وللهروب من الغضب الشعبى، تم تغيير اسم الجهاز قبل ثورة يوليو وحمل اسمه الشهير «القلم السياسى»، وبعد ثورة يوليو أصبح اسمه جهاز المباحث العامة، وعقب ثورة التصحيح لعب السادات اللعبة نفسها، وقام بتغيير اسمه إلى جهاز أمن الدولة، وحينما اشتعلت ثورة 25 يناير وخرج الناس يطلبون حل أمن الدولة، والقضاء عليه قبل شعار رغبتهم فى رغيف عيش بلا مسامير، لجأت وزارة الداخلية وحكام البلاد إلى الخدعة القديمة نفسها، وقامت بتغيير اسم الجهاز دون تقديم أى ضمانة حقيقية، أو قانونية تكفل عدم عودته إلى وضعه السابق.
من أجل كل هذا التاريخ، يبقى اتهام جهاز أمن الدولة المنحل قائما، ويبقى السؤال الدائر حول دور جهاز الأمن الوطنى وطبيعة عمله، وفشله فى منع كل هذه الهجمات وحجم نفقاته.. فى حاجة إلى إجابة من الوزارة ،وحكومة الجنزورى، والبرلمان، والمجلس العسكرى؟!