هناك أكثر من تفسير لظاهرة التزاحم على الترشح للرئاسة، من كل الفئات والأطراف والمهن، وقبلها حالة التزاحم على الترشح لانتخابات مجلس الشعب.. أول التفسيرات أن المصريين عانوا من حالة احتباس سياسى على مستوى القاعدة والقمة طوال عقود طويلة.
كانت هناك حالة من الاحتكار السياسى العام لصالح الحزب الوطنى فى البرلمانات والمحليات والوظائف، وفى الرئاسة ظل الرئيس السابق مبارك يحتفظ لنفسه بأسبقية الحجز فى كل استفتاء أو انتخابات بطريق الاستفتاء، ويصر على الاستمرار فى الحكم حتى آخر نفس بعيدا عن عوامل السن والقضاء والقدر، وهو لم يكن يسمح بالترشح لغيره، سواء من الحزب الوطنى أو غيره، وكان يستعد لترك البلد أمانة فى يد ابنه جمال تنفيذا لتوصيات ومطالب زوجته، فيما عرف بسيناريو التوريث، مبارك كان يعلن فى كل مناسبة أنه لا يجد أى بديل يخلفه فى الرئاسة، وأنه يريد أن يستريح لكنه يتحمل الأمانة على مضض، ويقول إن المسؤولية صعبة، وإنه يضطر لحملها حتى يجد من يحملها من بعده، وهناك نكتة تعبر عن هذا التمسك، تقول إن مسيحيا سأل الرئيس السابق: هل يمكن أن يتولى الرئاسة مسيحى فرد عليه مبارك: ولا مسلم وحياتك؟.
الاحتباس السياسى أحد أسباب التزاحم على الترشح، تضاف إليه أيضا حالة فقدان الثقة بالنفس التى تركتها سنوات التكلس والاحتكار، ليس على مستوى الرئاسة ولكن فى المناصب والجامعات والقضاء والبنوك والدبلوماسية التى تحولت إلى ما يشبه العقار الذى يتوارثه الأبناء من آبائهم، ولم يكن التفوق ولا الكفاءة والموهبة هى العوامل التى تحكم الترقى وتولى المواقع والمناصب، وهو ما أدى إلى عملية تجريف كبيرة فى النخبة وأصابها بالترهل والتراجع بسبب عدم تجديد الجينات وتولى الأغبياء والبلداء البلد بالوراثة.
الصورة كانت ولا تزال أن أقلية تستأثر بالسلطة والثروة، وأغلبية تتفرج وتعانى، ولا أمل لدى المواطن فى الترقى طالما لا يمتلك واسطة أو ينتمى لعائلة من عائلات المال والسلطة.
لو اتفرجنا على مجلس الشعب خلال نصف قرن سنكتشف أن نصف المقاعد على الأقل كانت تنتقل بين عدد محدود من العائلات.
ربما لكل هذا نرى ظاهرة التزاحم على سحب أوراق الترشح للرئاسة، ورأينا مرشحين محتملين من أنواع وأشكال مختلفة يرى كل منهم أنه الأحق بالمنصب، ولا يبدى أى ثقة فيمن هم مطروحون من قبل أو من بعد، وربما لا ملامة على مرشح مهدى منتظر أو حانوتى محتمل أو مغامر أو متنطع أو طالب كاميرا، يعانون من تأثيرات الاحتباس السياسى، ولا ملامة عليهم، بل على بعض السياسيين والمناضلين الذين لا يشك أحد فى وطنيتهم، ولا فى فرصهم، وكل منهم يحمل نفس جينات عدم الثقة فى الآخرين، مثلما كان مبارك، ويؤكدون استمرار ظاهرة الاحتباس السياسى.