تعلقت جموع المصريين بمجلس الشعب مع أول جلسة لانعقاده، مثلما تعلقت أفئدتهم وسعدت قلوبهم بموقف المجلس العسكرى فى الأيام الأولى للثورة المصرية، ومع مرور الوقت تحول الأمل إلى آلم والسعادة إلى معاناة، فقد ظن الجميع أن مجلس الشعب هو مجلس الثورة الذى سيعبر بالبلاد إلى المستقبل فوق أحقاد النظام البائد وزمرة المنافقين الذين يغيرون مواقفهم كما يغيرون ملابسهم، ويرتشفون وعودهم، كما يرتشفون قهوة الصباح وشاى العصارى، فالجميع لا ينسى مقولة الرئيس المخلوع الشهيرة فى افتتاحه مجلس التزوير السابق عندما أخبره بعض النواب أن المعارضة تعتزم إنشاء مجلس مواز قال" خليهم يتسلوا" ولكن يبدو أن المعارضة بكل أضيافها كانت أكثر فاعلية وتماسكاً عندما كانت تتسلى، ولما صعدت إلى السلطة أصابتها لعنة السياسة ولم تستطع أن تعالج نفسها حتى الآن، فقد وجد مجلس الشعب نفسه محاصرا فى دائرة الحسابات والتوازنات وعليه إرضاء القائمين على الأمر هنا وهناك، أما إرضاء الشعب فسقط سهواً، وكأن القدر كتب على الشعب المصرى أن سلطاته الثلاث تفعل ما تريد وفق أمزجتها ورؤاها بعيدا عن آمال وطموح ورغبات الشعب.
وإذا كان المرء يوم الامتحان يكرم أو يهان فإن الشعب المصرى أهين فى امتحان التمويل الأجنبى مرات كثيرة بدءا من لجوء المتهمين الأمريكان إلى السفارة الأمريكية لحمايتهم وكأنهم فى مستعمرة وليسوا دولة مرورا بإصدار أمر قضائى بالسماح لهم بالسفر وخروجهم فى طائرة خاصة بعدما حققوا نصراً مؤزرا.
أما الإهانة الأكثر امتهاناً فقد جاءت من مجلس الشعب عندما رسب المجلس فى أول اختبار حقيقى إثر قيامه بمناقشة قضية التمويل الأجنبى التى تمس كرامة الوطن واستقلاله، فقد ارتدى النواب ثوب الحماس وظن المصريون أن المجلس سينتصر لهم ويحقق آمالهم، وقادرعلى معاقبة المخطئ وعزل المسئول عنها، وبعد هجوم النواب على الحكومة وانسحاب الوزراء من الجلسة المسائية فى ذلك اليوم، وتهديد رئيس مجلس الشعب بمعاقبة الحكومة فى اليوم التالى على ما اقترفته من إثم فى حق الوطن والمجلس كانت المفاجأة الجديدة والصفعة الأشد على جبين الوطن، فقد تجاهل المجلس الموضوع فى اليوم التالى وانتقل إلى موضوعات أخرى وتحولت النار إلى رماد وغابت نزعة الكرامة وخلع النواب ثوب العزة الذى ارتدوه بالأمس، ولم يتحدث أحد فى الموضوع من قريب أو بعيد وكأن على رءوسهم الطير، أو شربوا مخدر النسيان.
لقد كان رئيس مجلس الشعب السابق ، الدكتور فتحى سرور يقول دائما إن المجلس سيد قراره، ولكن تبين أن مجلس الثورة مثل السلطة القضائية فى مصر آراؤهم تأتى من سلطات أخرى، وأن الشعب فى مصر لن يكون مصدر السلطات سوى فى الكتب فقط.
كما ظن الجميع أن الحكومة سوف تستقيل بعد الهجوم عليها والاتهامات التى تعرضت لها، ولكن تبين أن حكومات مصر والمسئولين فيها يتمتعون بجينات خاصة، تحول بينهم وبين الاستقالة ويتعاطون هرمون "عشق الكرسى"، فلا تستقيل الحكومة مهما حدث ولا تفرط فى الكرسى بإرادتها، مهما قيل عنها، ومهما ارتكبت من جرائم، فماذا ينتظر الشعب من رئيس وزراء قضى كل حياته فى العمل الوزارى مسئولا من الدرجة الأولى دون أن يحقق للوطن سوى الكلام، وبدلا من أن يرد الدين للثورة التى أعادته من دائرة النسيان التى وضعه فيها مبارك سار فى طريق أسلافه وأصبح يمن على الشعب بأنه لم يخلع بدلته من الصباح حتى المساء، دون أن يدرك أن الشعب يتمنى أن يخلع الوزارة بدلاً من البدلة.
إن تجاهل مجلس الشعب لقضية التمويل الأجنبى وإغلاق الستارعلى الموضوع دون أن يعرف الشعب المصرى الحقيقة ودون أن يسترد الوطن كرامته يؤكد أن الطرف الثالث وصل إلى المجلس ليس فى صورة الضابط الذى جاء متخفياً يحث المتظاهرين على حرق المجلس فقط، فمثله الكثير من الفلول التى تعمل ليل نهار دون أن يعاقبها أحد أو تردعها الحكومة، ولكن الطرف الثالث وصل إلى المجلس فى صور كثيرة أخطرها الانشقاقات وفرض الإملاءات وتوجيه السياسات وإصدار التشريعات وخاصة مشروع قانون التظاهر الجديد، وقانون العفو الشامل عن الجرائم السياسية التى ارتكبت منذ عام 1981 وحتى 2011، فمن أجل العفوعن بعض أشخاص النظام الجديد سيمنح مجلس شعب الثورة البراءة للنظام القديم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة