إذا أردت أن تُطاع فاحكم بما هو مستطاع، قول حكيم يضع أساسا منطقيا وواقعيا للتشريع والقدرة على تنفيذ القانون، لكن يبدو أن اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة لم تستوعب هذه الحقائق وتعمدت، وبشكل منفرد، إصدار فرمانات لتنظيم الانتخابات من المستحيل تطبيقها فى أرض الواقع.
فكيف تسمح لكل من هب ودب بسحب أوراق الترشح قبل أن يستوفى شروط الترشح، وهى جمع توكيلات 30 ألف مواطن أو 30 نائبا. وكيف تفرض اللجنة الموقرة على المرشحين للرئاسة ووسائل الإعلام عدم الدعاية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهل من المعقول أن تقتصر فترة الدعاية على 21 يوما!! ثم ما هى آليات ووسائل التحقق من التزام المرشحين بإنفاق 10 ملايين جنيه كحد أعلى للدعاية الانتخابية.
أعتقد أن القراءة السريعة لمضمون فرمانات العليا للانتخابات تكشف عن جهل وقلة خبرة بالحملات الانتخابية للرئاسة فى العالم، ففى معظم الدول الديمقراطية لا يوجد حظر على الدعاية الانتخابية إلا قبل التصويت بيوم أو يومين، ومن الخبل أن نمنع نشر أخبار المرشحين أو إجراء حوارات معهم تتضمن دعاية غير مباشرة!! والمعروف أن الباحثين والإعلاميين يواجهون إشكاليات عديدة فى عملية التمييز بين الدعاية والإعلام، وبين الدعاية المباشرة وغير المباشرة، فأى خبر عن قيام موظف عام بتأدية وظيفته يمكن اعتباره دعاية غير مباشرة لهذا الموظف، لكنه أيضا يعتبر خبرا من حق الجمهور معرفته، وبالتالى إذا أخذنا بالتفسير الضيق والجاهل للعليا للانتخابات فإننا يجب أن نمنع كثيرا من الأخبار، ويتوقف الإعلام على أداء وظيفته.
واضح أن العليا للانتخابات لم تستشر إعلاميين قبل أن تصدر تلك الفرمانات الغريبة المنافية للمنطق، ويا ليتها استشارت أساتذة السياسة كى يشرحوا لها أن السباق الانتخابى فى الدول الديمقراطية يخلو من كل هذا العبث، فكيف يمكن للمرشحين جمع التوكيلات من المواطنين بدون دعاية!! لقد تواصلت حملات المرشحين واستمر ظهورهم فى الإعلام، وتابعت وسائل الإعلام تغطيتها لتحركات المرشحين ولم تتوقف وإلا أصبحت متهمة بالتقصير فى تزويد الجمهور بالمعلومات والأخبار.
هكذا وضعت العليا للانتخابات نفسها فى مأزق صعب أدى إلى اهتزاز مكانتها ومصداقيتها، ومع احترامى الكامل لأعضاء اللجنة فإنه ليس عيبا أن تتعلموا، خاصة أنه لا يوجد بينكم خبراء فى السياسة أو الإعلام، كما أنها المرة الأولى التى تشرفون فيها على انتخابات رئاسية ديمقراطية نأمل أن تكون نزيهة.
أنصح اللجنة بالتركيز على إيجاد آليات للمتابعة والتدقيق فى مصادر تمويل الحملات الانتخابية، والتأكد من عدم تجاوز نفقات الدعاية لحاجز العشرة ملايين، تشمل ما أنفقه المرشح وأنصاره، مع تقدير عادل وأمين لقيمة مساهمة أنصار كل مرشح، بعيدا عن أى تحايل أو تلاعب بالأرقام، فليس من المقبول مثلا أن تذيع قناة خاصة إعلانات لأحد المرشحين قيمتها السوقية مليون جنيه، ويدعى المرشح أن تكلفتها مائة ألف جنيه.
ولابد للعليا للانتخابات أن تشكل لجانا وفرق عمل لمتابعة كل أشكال التحايل والتلاعب بالأرقام، وكذلك الشعارات بحيث تمنع استغلال الدين فى السياسة أو التمييز ضد المواطنين أو الدعوة للكراهية والعنصرية والحرب. وأن تتابع بدقة احترام كل المرشحين لفترة الصمت الانتخابى، وعمليات الدعاية وشراء الأصوات فى يوم الانتخاب، والأهم أن تكون قادرة على محاسبة المخالفين وتطبيق عقوبات رادعة، وبحيث لا تكرر رخاوة وميوعة مواقف لجنة الإشراف على الانتخابات البرلمانية بقيادة صاحب السيرة العطرة المستشار عبدالمعز إبراهيم.