د. بليغ حمدى

فِى وَدَاعِ البَابا شُنُوْدَة

الأحد، 18 مارس 2012 10:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما جاء رحيل البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى هذا التوقيت الخطير على مصر لا ليزيد من أحزانها وأوجاعها اليومية فحسب، بل ليؤكد حقيقة مفادها أن هذا الوطن، وكأن من قدره أن يفقد رجالاته الأوفياء الذين نحتاج إليهم جد احتياج لمشورة أو درء فتنة أو إسداء نصيحة.

وقد يهرع بعض المتورين بالهجوم على شخص رجل لم يعلموا أنه طالما درأ نار الفتنة النائمة أن تشتعل بين نسيجى الأمة المصرية، ولعل حكمة قلما نجدها فى الرجال نراها كانت متجسدة فى شخصية البابا شنودة، حينما كان يخفف من وطأة الحزن ومشاعر الغضب لدى إخواننا المسيحيين عندما يقع حادث مكروه لديهم، كتفجير كنيسة أو مذبحة، كانت تتم على أيدى بعض رجال دولة جهنم أيام حكم مبارك.

ويخطئ من يظن أن البابا شنودة كان مجرد رجل دين يجلس على كرسى أعلى سلطة دينية، ليس فى مصر وحدها بل العالم بأكمله، فإن البابا شنودة كان من علامات هذا الوطن الذى كان يبدو جميلاً، لكننا نفسده يوماً بعد يوم.

وليت القاصى والدانى يتذكر عقد الشراكة فى الإعلان التاريخى لشيخ الأزهر والبابا شنودة حينما أعلنا دون اتفاق مسبق أنهما لن يدخلا القدس إلا ويدهما بيد بعض، وفى هذه الإشارة التاريخية لا نستطيع أن نقرر بأن كليهما لم يواجها نوعاً من المعارضة الدينية، لكن نقرّ حقيقة لابد أن يفطنها أعداء هذا الوطن بالداخل قبل الخارج، وهى أن مصر للمصريين جميعاً فكلنا فى الهم سواء.

وكنت أنقد الذين يغضبون من توافد القيادات والمفكرين ورجال الإعلام من المسلمين الذين كانوا يذهبون لحضور مراسم الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح بقول، وهل أجبر البابا شنودة أحداً على الحضور، بل لأنهم عهدوا فيه أنه رجل دين متسامح يأبى أن يقوض هذا الوطن الذى عاش فيه.

وقلما نشير إلى رجل فى هذا الزمان الموحش المضطرب بأنه وطنى الهوية، لكن البابا شنودة من هؤلاء الذين عانقوا الوطن وعانقهم، وهو من هؤلاء الذين أعطوا الوطن ولاءه وانتماءه، فمنحه الوطن رفعة ومكانة ومنزلة سامية بقلوبنا جميعاً، هو مثل جمال حمدان، وطه حسين، والإمام محمد عبده والشيخ محمد متولى الشعراوى وسعد زغلول، قدموا أنفسهم للوطن جنوداً مخلصين، فما كان على هذا الوطن الغالى إلا أن يلبسهم حُلَّة الشرف والرفعة والسمو.

رحل البابا شنودة بعد أن كان الوجه الآخر لعملة ذهبية لقمع ومنع الفتن الطائفية فى مصر، وكم كان لهذا الرجل أياد بيضاء فى حقن دماء المصريين على السواء مسلمين وأقباط.
هكذا الدنيا، نجئ إليها بغتة، ونرحل عنها بغتة، والمسافة ما بين الموت والميلاد هو تاريخ محفور ومنقوش بأفئدة المصريين وتراب الأرض النقية.

حقاً موته لا يعد فاجعة فحسب، بل كارثة، فالوطن اليوم لا تهمه الفئات والطوائف العرقية والديانات المتناحرة، إن هذا الوطن هو بحاجة ماسة لألف ربان يقود السفينة قبل أن تغرق.

وليتنا ندرك عبارة البابا التاريخية، وهى أن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطناً يعيش فينا.. وأنت كنت كذلك وطناً عشت فينا.. إلى رحمة الله.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة