البابا شنودة ليس قضية قبطية أو مسيحية لكنه يخص المصريين جميعا، فهو جزء مهم من تاريخ مصر السياسى والاجتماعى، ورقم صعب فى أى معادلة سياسية أو اجتماعية قادمة، بعد سنوات ظل فيها يحافظ على الشعرة الدقيقة بين السياسة والكنيسة، فى وقت فرضت فيه العلاقة فرضا، وظلت تتعرض لعواصف لم تهدأ طوال أكثر من أربعين عاما.
عاصر البطريرك الرئيس السادات، فى فترة عاصفة من تاريخ مصر السياسى، تولى فى بداية عهد السادات، وكانت مصر تنتقل من نظام لآخر، ورحل السادات والبابا معزول بقرار الرئيس، فى أعقاب أحداث الزاوية الحمراء الطائفية، التى كانت بداية لشحن طائفى تواصل حتى الآن، وكان للبابا دور فى حفظه خارج نطاق الاشتعال، بسبب المتعصبين من الطرفين المسلم والمسيحى.
بعد رحيل السادات عاد البابا مع مبارك وعاصر فترات حكمه الخمسة بتقلباتها وحتى الإطاحة به فى ثورة يناير، وبدا جزءا من هذا العصر بكل تناقضاته وصراعاته، التى تركت آثارها على البابا، وترك هو أيضا آثاره عليها.
البابا شنودة الثالث ينتمى إلى آخر أجيال البطل الفرد الذى يتحكم فى المجاميع وتنتظر منه الملايين كلمة تحدد على أساسها أفعالها، وحتى المختلفون معه كانوا يرونه جزءا من مؤسسة الدولة وسياقاتها العامة.
كان البابا فى كل مرة ينجح فى الخروج من الأزمات، التى كانت تتداخل فيها السياسة بالدين، الدين جزء من حياة المصريين، بمسلميهم ومسيحييهم، والبابا بوجوده ورحيله يثير حزن المصريين جميعا الذين ارتبطوا بوجوده وارتبطوا دوما بتصوراته وانتظروا مواقفه ليحددوا مواقفهم، وهو درس نظن أننا نحتاج إليه فى كل خطوة تربط العلاقة بين المصريين، لقد قدم البابا دائما الصورة المصرية وبدا مستوعبا لمشكلات الواقع بالشكل الذى أخرجها من كونها مشكلة طائفية، هو يخص المسيحيين كقيادة دينية، لكنه يخص المصريين كرمز وطنى اختلفوا واتفقوا معه مثلما فعلوا مع كل رموزهم الوطنية.
برحيل البابا تطوى صفحة وتفتح صفحات فى الدين والسياسة والمستقبل، صفحة أكثر صعوبة، فقد رحل فى لحظة دقيقة، تتغير فيها مصر وتنتقل من عصر إلى عصر، وسوف يواجه خليفة البابا مشكلة فى التعامل مع عالم ما بعد البابا شنودة، لأن الرجل كان بطلا من نوع خاص، يمسك بيديه الخيوط كلها، ويمارس مهاما تحتاج الآن إلى عشرات وربما مئات، خاصة إن البابا تجاوز دوره الكنسى إلى دور عام فرض عليه واختاره فى وقت واحد، اليوم ومصر على أبواب تحولات سياسية ودستور يواجه ولادة متعثرة، وانتخابات رئاسية تنقل مصر إلى عهد جديد فى ظل وجود تناقضات وصراعات وتجاذبات واستقطاب.
رحيل البابا خسارة تجعل مهمة من يأتون بعده أكثر صعوبة، والبابوية مثل كل مؤسسات الدولة، لا تتحمل البقاء فى يد فرد، والبابا نموذج يصعب تكرره.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة