ما يحدث فى مصر الآن، بعد فتح باب الترشح للرئاسة يوم السبت الماضى، ينطبق عليه المثل الشعبى المعروف "مُولد وصاحبه غايب"، ولا يمكن وصف عملية التقدم للترشح للرئاسة بأقل من كلمة "مهزلة"، ولا تمت للديمقراطية بأية صلة، عندما يتقدم أكثر من سبعمائة شخص بطلبات للترشح لمنصب رئيس مصر، فهذا لا يعنى سوى الفوضى فى المجتمع وانعدام الوعى السياسى لدى الجماهير، ولا يمكن تبرير ذلك بالقول إن عمليات الفرز وجمع التوكيلات سوف تطيح بالغالبية العظمى من هؤلاء ولن يبقى منهم سوى المعروفين، لأن هذا لا يلغى وقوع المهزلة وتشويه سمعة مصر وصورة الثورة المصرية أمام العالم، هذه الثورة التى اعتبرها الكثيرون فى الخارج نموذجا عالميا يحتذى به من قبل الشعوب الأخرى، واعتقد العالم كله أن الشعب الذى صنع هذه الثورة على مستوى عالٍ جدا من التحضر والوعى السياسى الذى أهله لأن يصنع ثورة سلمية بيضاء جمعت كافة أطياف الشعب وطوائفه الدينية والثقافية والاجتماعية، ثم يفاجأ بهذا الكم للمتقدمين بطلبات ترشح للرئاسة، والذى من المتوقع أن يتجاوز الألف مرشح قبل إغلاق الباب فى الثامن من أبريل القادم.
ظاهرة أعداد المترشحين للرئاسة هى نموذج مصغر لكل ما يحدث فى مصر بعد خلع حسنى مبارك من الحكم، حيث امتلأت مدن مصر بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات من قبل جماعات تمثل العديد من فئات المجتمع الدينية والمهنية والسياسية، من مسيحيين ومسلمين وعمال وفلاحين وموظفى مصانع وشركات وإدارات وأجهزة أمن ونساء وفنانين ونقابات وغيرهم، كما امتلأت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة بأعداد غفيرة من المفتيين والمنظرين والمحللين، وامتلأت مصر بعشرات الأحزاب والجماعات والتنظيمات السياسية، وكل جهة وفرد من هؤلاء يغنى على ليلاه، ويبحث عن مصالحه الشخصية أو الفئوية أو الطائفية، ولا يجمعهم سوى شىء واحد هو أنهم جميعا يتحدثون باسم الثورة، ويدعون أنهم ثوار، وأنهم كانوا فى ميدان التحرير، وغيره من ميادين الثورة، وبديهى أنه ليس كل من كان فى الميدان ثوار، ولا كل من لم يذهب للميدان ليس من الثوار، ولكن ما يحدث فى مصر هو بالضبط ما يحدث فى موالد الأئمة والمشايخ والصالحين، حيث تجد فى مولد الحسين بن على "رضى الله عنهما" فى القاهرة كل مظاهر المرح والترف والرقص والمغنى والمسابقات والنصابين والنشالين وبائعى المخدرات والسكارى والمساطيل وكل ما يخطر ببالك ما عدا الحسين بن على وذكراه العطرة، كذلك الآن فى مصر "مولد الثورة"، تشاهد فيه الوصوليين والكذابين والمنافقين والمخادعين والمتآمرين والمتأسلمين والمتنصرين والعملاء.. وما شابههم، بينما الغائب الوحيد فى هذا المولد هو "الثورة" نفسها، فالجميع يتشدق بشعارات الثورة ويدعى أنه أكثر المؤمنين بها، بينما ما نراه وما يحدث على الساحة أبعد ما يكون عن ثورة 25 يناير التى شهد لها العالم كله.
المرشحون النجوم للرئاسة أمثال موسى وشفيق والعوا وأبو إسماعيل والصباحى وأبو الفتوح وغيرهم معروفون وأسماؤهم متداولة منذ فترة، ولكن غيرهم المئات وربما يصبحوا آلاف تقدموا معهم للترشح للرئاسة، والسبب إما أنهم ليسوا مقتنعين بأحد من كل هؤلاء النجوم، أو أن الثورة المصرية بالفعل مازالت يتيمة تحتاج لأب أو آباء حقيقيين مقنعين للآخرين ومؤمنين بهذه الثورة عن حق، ويضعون الوطن والشعب فوق كل شىء وليسوا أصحاب مصالح فئوية أو شخصية أو حزبية ولا يعملون لحساب جهات خارجية أو داخلية، ولا محبى للسلطة والشهرة والنجومية، يوم أن يوجد هؤلاء الآباء الحقيقيون للثورة سوف ينفض هذا المولد وهذه الفوضى وتنفض كل جماعة وكل فرد إلى عمله، ولن نرى طوابير المئات من المرشحين للرئاسة، لأن كل فرد فى المجتمع سيعرف قدره وحجمه ودوره.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدي
خليك رياضي