بعد سنة من الاستفتاء الكارثى الذى قاد مصر إلى الويلات، أريد أن أسألك سؤالا لاختبار قوة ذاكرتك: هل تتذكر اسم ذلك الرجل الذى أشرف على الاستفتاء، وتسبب فيما نحن فيه الآن من حيرة وتخبط يكاد يعصف بالوطن؟
إن لم تكن تتذكر فدعنى أذكرك به، فهذا الرجل اسمه المستشار محمد عطية، وكان يعمل وقت الاستفتاء نائبا لرئيس مجلس الدولة، وتم اختياره بقرار عسكرى ليتولى الإشراف على الاستفتاء، لكن على ما يبدو فإن سيادته قد نسى أنه «قاض»، وأن الحياد هو الصفة التى يجب أن يتمتع بها، فلم يتوانَ سيادته عن التصريح للصحف والفضائيات منذ اختياره بأن رفض التعديلات الدستورية سيؤدى بنا إلى ما لا يحمد عقباه، وفى زخم العراك الجدلى الذى دخله المجتمع آنذاك لم يقل أحد لهذا المستشار إن ما يقوله يؤثر على الرأى العام، وينتقص من استقلالية القضاء، وحيادية اللجنة، فكيف نطمئن إلى نتيجة استفتاء ونحن نعلم أن الحكم بين الرأيين منحاز إلى أحدهما دون الآخر؟ وهل يعقل مثلا أن يدلى «حكم» فى ماتش كرة قدم برأيه فى الفريقين قبل المباراة؟ وترى ماذا ستقول عن «حكم» قال قبل مباراة الأهلى والزمالك إنه لو فاز الزمالك فإن جماهير الأهلى ستقتحم الملعب وسينهار الدورى؟
سيادة المستشار أخلّ بعمله فى الإشراف والمراقبة على الاستفتاء، وأعلن تحيزه للتعديلات قبل التصويت، وفزّع الناس من التصويت بـ«لا» تماما، كما كان يفزّعنا مبارك من «الفراغ الدستورى»، مدعيا أن رفض التعديلات الدستورية سيجعل مصر تعانى من فراغ تشريعى لن يملأه إلا المجلس العسكرى، وأن المجلس سيشرع القوانين بنفسه طوال الفترة الانتقالية، وهذا ما جعل الناس متخوفة من رفض التعديلات، لكن ماذا حدث بعد أن أتى الاستفتاء بـ«نعم»؟
عاشت مصر فعلا فى فراغ تشريعى، ولم يملأه إلا المجلس العسكرى الذى شرع من القوانين ما يرسخ لاستبداده، بما يعنى أن رأى سيادة المستشار- بخلاف أنه كان غير حيادى- كان خطأ أيضا، ولك الآن أن تعرف فى النهاية أن هذا المستشار فور إحالته للمعاش أصبح وزيرا للتنمية المحلية، ثم وزيرا لشؤون مجلسى الشعب والشورى، وهنا يحق لنا أن نتساءل: إلى متى سيتم إغراء القضاة بالمناصب بعد الإحالة للمعاش؟ وألا يعد هذا الإغراء انتقاصا من استقلال القضاء، وإرهابا للقضاة وهم على المنصة بأنهم إن لم يستجيبوا لرغبات الحكام فسيحرمون من التعيين محافظا أو وزيرا؟، وأخيرا لنا الآن أن نتذكر أن سيادة المستشار عبد المعز إبراهيم الذى أشرف على الانتخابات البرلمانية هو ذاته الذى قاد فضيحة تهريب الأمريكان، وهو ذاته- أيضا- عضو لجنة الإشراف على الانتخابات الرئاسية، ولا يعرف الواحد هل سيصبح عبدالمعز بعد إحالته للمعاش وزيرًا أم محافظًا أم أنه سيكتفى بتعيين ابنه فى مكتب وزير العدل فقط؟ لا تندهش فقد عيّن سيادته ابنه فى مكتب وزير العدل بعد توليه رئاسة محكمة الاستئناف فى يوليو الماضى بأشهر معدودة، أى بالتزامن مع إجراء انتخابات الشعب.
لابد إذن من أن نمنع تدخل السياسة فى عمل القضاء، وأن نضمن لقضاتنا «الشرفاء» ألا تزيغ أعينهم من أجل منصب هنا أو وظيفة هناك، ولابد من إصدار تشريع يمنع عمل القضاة مستشارين أثناء خدمتهم، ووزراء أو محافظين بعد خدمتهم، لكى لا يجلس القاضى على المنصة وعينه معلقة على المنصب الذى سيشغله فى الجهاز التنفيذى للدولة أثناء خدمته أو بعدها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة