مما يقال فى نقد دور البابا شنودة فى قيادته للكنيسة الأرثوذكسية، أنه أخذ الكنيسة إلى دور سياسى على حساب دورها الروحى، وأنه بدا فى كثير من المواقف زعيما سياسيا، ويستشهد هؤلاء بعشرات المواقف التى دخل فيها البابا شنودة طرفا سياسيا، بدرجة أدت لتقسيم المجتمع فى توجهاته إلى «مسجد» و«كنيسة».
وكما أشرت أمس فى مقالى، فإن تقييم دور البابا شنودة، يجب أن يتم فى سياق أشمل، يرتكز على مجمل التحولات السياسية والاجتماعية التى شهدتها مصر طوال الأربعين عاما التى شغل فيها البابا موقعه.
أعيد ذكر قصة بسيطة حدثت معى وكتبتها من قبل، لكن تكرارها مفيد ومضىء مع كثرة الحديث عن تقييم دور البابا سياسيا، فمنذ نحو عشر سنوات، تخرج فى كلية الحقوق صديق مسيحى مثقف وموهوب وصاحب موقف سياسى ناصرى، وبدأ رحلة البحث عن عمل، حتى يكون عونا لوالده المكافح لرعاية أسرته، وسعيت معه فى رحلته الشاقة التى لم تسفر عن شىء.
كان الليل يجمعنا بصحبة أصدقاء آخرين، وفى إحدى الليالى وبعد أن بلغ به اليأس مبلغه، حدثنى بأنه ذهب إلى الكاتدرائية كملاذ أخير له، وسألنى سؤالا مباغتا: تفتكر اللى زيى لو الكنيسة وفرت له عمل، يبقى ولاؤه هيكون لها أكتر من أى حاجة ولا لأ؟
صديقى كان واعيا بما فيه الكفاية لمفهوم وظيفة الدولة، وحتمية أن تكون للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، لكن سؤاله كان ينسحب على كل من هم فى مثل ظروفه، وليس لديهم الوعى الذى عنده، وبقى هذا السؤال فى ذهنى لا يغادرنى أبدا، واستدعيه فى كل حديث يتجدد عن طبيعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، وأراه مدخلا لفهم الدور السياسى للبابا شنودة.
فحين انسحبت الدولة من دورها الطبيعى فى كل شىء، وكان تخليها عن وظيفتها فى مواجهة مشكلة البطالة كمثال كبير، بحث الشباب عما يلبى لهم طموحهم فى العمل بحثا عن لقمة العيش، وبقدر ما كانت جماعات الإسلام السياسى توفر لأنصارها فرص العمل، كانت الكنيسة تفعل ذلك، والخطأ هنا ليس مسؤولية هؤلاء، وإنما هو مسؤولية الدولة التى تخلت عن أبنائها، فضربت الانتماء إليها ليتحول إلى جزر أخرى.